دور الإمام أبي الحسن الأشعري في تقرير العقيدة الإسلامية

 

الإمام أبو الحسن الأشعري المتوفى ببغداد في الثلث الأول من القرن الرابع الهجري، هو أحد الذين قرروا العقائد الإسلامية، وردوا على طوائف المبتدعة، وقد صارت طريقته في تقرير العقائد هي الطريقة المعتمدة في الحواضر العلمية والجامعات الإسلامية العريقة؛ كالأزهر الشريف بمصر، والزيتونة بتونس، والقرويين بالمغرب، بالإضافة إلى المدارس الشرعية في الشام، والعراق، والمحاظر العلمية في شنقيط، وغيرها من أماكن الدرس في معظم الديار الإسلامية.

وقد صرح الأئمة المحققون بمدحه وبتزكية منهجه وطريقته وبيان دوره والثناء عليه؛ من ذلك قول القاضي عِياض المالكي في "ترتيب المدارك" (5/ 24-25، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب): [وصَنَّف لأهل السنة التصانيف، وأقام الحُجج على إثبات السنة وما نفاه أهل البدع من صفات الله تعالى، ورؤيته، وقدم كلامه، وقدرته، وأمور السمع الواردة؛ من الصراط والميزان والشفاعة والحوض وفتنة القبر التي نفت المعتزلة، وغير ذلك من مذاهب أهل السنة والحديث، فأقام الحجج الواضحة عليها من الكتاب والسنة والدلائل الواضحة العقلية، ودَفَعَ شُبَهَ المبتدعة ومَنْ بَعْدَهُم من الملحدة والرافضة، وصَنَّف في ذلك التصانيف المبسوطة التي نفع الله بها الأمة، وناظر المعتزلة، وكان يقصدهم بنفسه للمناظرة.. إلى أن قال: فلما كثرت تواليفه، وانْتُفِع بقوله، وظهر لأهل الحديث والفقه ذَبُّهُ عن السنن والدين، تعلق بكتبه أهل السنة، وأخذوا عنه، ودرسوا عليه، وتفقهوا في طريقه، وكثر طلبته وأتباعه؛ لتَعَلُّم تلك الطرق في الذب عن السنة، وبَسْط الحُجَج والأدلة في نصر المِلَّة، فسُمُّوا باسمه، وتلاهم أتباعهم وطلبتهم، فعُرِفوا بذلك -يعني الأشاعرة-، وإنما كانوا يُعرَفون قبل ذلك بالمُثْبِتة، سِمةٌ عَرَّفتهم بها المبتدعة؛ إذ أثبتوا من السنة والشرع ما نَفَوه.. إلى أن قال: فأهل السنة من أهل المشرق والمغرب بحججه يحتجون وعلى منهاجه يذهبون، وقد أثنى عليه غير واحد منهم، وأثنَوا على مذهبه وطريقته] اهـ.

وقال الإمام الحافظ الحُجَّة أبو بكر البيهقي: [إلى أن بلغت النوبة إلى شيخنا أبي الحسن  الأشعري رحمه الله، فلم يحدث في دين الله حَدَثًا، ولم يأتِ فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول، خلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء، فكان في بيانه تقوية ما لم يدل عليه من أهل السنة والجماعة ونصره أقاويل من مضى من الأئمة؛ كأبي حنيفة وسفيان الثوري من أهل الكوفة، والأوزاعي وغيره من أهل الشام، ومالك والشافعي من أهل الحرمين، ومن نحا نحوهما من الحجاز وغيرها من سائر البلاد؛ وكأحمد بن حنبل وغيره من أهل الحديث، والليث بن سعد وغيره، وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري إمامي أهل الآثار وحفاظ السنن التي عليها مدار الشرع، رضي الله عنهم أجمعين] اهـ. نقلًا عن "تبيين كذب المفتري" للحافظ ابن عساكر (ص: 103، ط. دار الكتاب العربي).

وقال الإمام تاج الدين بن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 365، ط. هجر): [اعلم أنَّ أبا الحسن لم يُبدِع رأيًا، ولم يُنشِ مذهبًا، وإنما هو مُقَرِّرٌ لمذاهب السلف، مناضل عما كانت عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالانتساب إليه إنما هو باعتبار أنه عَقَد على طريق السلف نطاقًا، وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتَدي به في ذلك، السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريًّا] اهـ.

وقال الإمام المايُرْقي المالكي: [ولم يكن أبو الحسن أول متكلم بلسان أهل السنة، إنما جرى على سَنَن غيره، وعلى نصرة مذهبٍ معروف، فزاد المذهب حجة وبيانًا، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهبًا انفرد به؛ ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نُسِب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له: مالكي، ومالك إنما جرى على سَنَن مَنْ كان قبله، وكان كثيرَ الاتِّباع لهم، إلا أنه لما زاد المذهب بيانًا وبسطًا عُزِي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه، وتواليفه في نصرته] اهـ. نقلًا عن "طبقات الشافعية الكبرى" (3/ 367).

وبناءً على ذلك: فالإمام أبو الحسن الأشعري هو أحد الذين قرروا العقيدة الإسلامية، عَقَد على طريق السلف نطاقًا، وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه فنصره وزاده حُجّة وبيانًا، وأصبح منهجه هو المنهج المعتمد في كل أماكن تدريس العلم الشرعي في معظم الديار الإسلامية.

والله سبحانه وتعالى أعلم.


المصدر 

دار الإفتاء 

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك