9 جمادى الأولى
محمد سعيد رمضان البوطي (1347 - 1434 هـ / 1929 - 21 آذار 2013 م) عالم سوري متخصص في العلوم الإسلامية، ومن المرجعيات الدينية الهامة على مستوى العالم الإسلامي، حظي باحترام كبير من قبل العديد من كبار العلماء في العالم الإسلامي، اختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم في دورتها الثامنة عام 2004 ليكون «شخصية العالم الإسلامي»، باعتباره «شخصيةً جمعت تحقيقَ العلماء وشهرةَ الأعلام، وصاحبَ فكرٍ موسوعيّ»، واختاره المركز الإسلامي الملكي للدراسات الاستراتيجية في الأردن في المركز 27 ضمن قائمة أكثر 500 شخصية إسلامية تأثيرًا في العالم لعام 2012، ويُعتبر ممن يمثلون التوجه المحافظ على مذاهب أهل السنة الأربعة وعقيدة أهل السنة وفق منهج الأشاعرة.
ترك البوطي أكثر من ستين كتابًا في علوم الشريعة، والآداب، والتصوف، والفلسفة، والاجتماع، ومشكلات الحضارة، كان لها أثرٌ كبيرٌ على مستوى العالم الإسلامي.
في فترة أحداث سوريا 2011-2013 أصبحت مكانة البوطي في العالم الإسلامي مثارًا للجدل والخلاف بسبب موقفه الرافض للثورة السورية، ودعمه لنظام الرئيس بشار الأسد، انتهت بتعرّضه للاغتيال يوم 21 مارس 2013، الذي اتفقت المعارضة والنظام السوري على إدانته، وأثار موجة تنديد كبيرة على مستوى العالم، وقد اتهمت المعارضة النظامَ بتدبير الاغتيال بعد ورود أنباء عن عزم البوطي على الانشقاق وتغيير موقفه من الثورة السورية، والهجوم على النظام. بينما اتّهم النظام السوري المعارضةَ باغتياله واصفًا إياهم «بأصحاب الفكر الظلامي التكفيري».
ولادته ونشأته :
وُلد البوطي، وهو ينحدر من قبيلة كردية، في عام 1347 هـ/1929م، في قرية «جليكا» التابعة لجزيرة ابن عمر المعروفة بجزيرة بوطان، والتي تقع على ضفاف نهر دجلة عند نقطة التلاقي بين حدود سوريا والعراق وتركيا. ولما بلغ من العمر أربعة سنوات هاجر مع والده ملا رمضان البوطي إلى دمشق في عام 1933م بسبب «اضطهاد أتاتورك» وانتشار الفكر الكمالي. تُوفيت والدته وعمره 13 عامًا، فتزوج والده من زوجة أخرى، من أسرة تركية، فكانت سببًا في إلمامه باللغة التركية بالإضافة إلى اللغة الكردية والعربية، تزوج وهو في الثامنة عشر من عمره، وله من الأولاد ستة ذكور وبنت واحدة .
تعليمه :
تأثر البوطي منذ صغره بوالده الشيخ ملا رمضان الذي كان بدوره عالم دين وأحد شيوخ الصوفية، فقد كان والده معلّمه الأوحد، إذ علَّمه أولًا مبادئ العقيدة، ثم موجزًا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ يعلمه مبادئ علوم الآلة من نحو وصرف، وسلَّكه في طريق حفظ ألفية ابن مالك في النحو، فحفظها في أقل من عام، ولم يكن قد ناهز البلوغ بعد. ولما بلغ السادسة من عمره عهد الشيخ ملا رمضان بولده إلى امرأة كانت تعلم الأطفال قراءة القرآن، فكانت تُعلِّمه القرآن وتلقنه إياه حتى ختم القرآن عندها خلال ستة أشهر. التحق بعدها بمدرسة ابتدائية في منطقة ساروجة، أحد أحياء دمشق القديمة، ولم تكن تلك المدرسة تعنى إلا بتعليم الدين ومبادئ اللغة العربية والرياضيات.
بعد انقضاء المرحلة الابتدائية التحق بجامع منجك عند الشيخ حسن حبنكة الميداني. وفي تلك الفترة ارتقى المنبر للخطابة ولم يكن قد تجاوز بعد 17 من عمره، وذلك في أحد مساجد الميدان القريبة من جامع منجك. وفي عام 1953 أتمّ دراسته في معهد التوجيه الإسلامي عند الشيخ حسن حبنكة. وفي عام 1953 ذهب إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية في جامع الأزهر، وعاد بعدها لدمشق بعد حصوله على الإجازة في الشريعة من كلية الشريعة في جامع الأزهر عام 1955. ثم حصل على دبلوم التربية من كلية اللغة العربية في جامع الأزهر عام 1956.
وظائفه :
شغل البوطي عدّة مناصب أكاديمية في حياته، فبعد حصوله على الشهادة من جامعة الأزهر عُيّن مُعيدًا في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1960م، ثمّ أُوفد إلى كلية الشريعة من جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية وحصل على هذه الشهادة عام 1965م، وفي نفس العام عُين مدرسًا في كلية الشريعة في جامعة دمشق، ثم أصبح أستاذًا مساعدًا، فأستاذًا، ثم في عام 1975م عُيّن وكيلًا لكلية الشريعة فيها، ثم في عام 1977م عُيّن عميدًا لها، ثم رئيسًا لقسم «العقائد والأديان». خلال هذه الفترة وحتى عام 1981 كان بعيدًا عن المحافل العامة، وكان مكتفيًا بالمجال الأكاديمي بالإضافة إلى درسين أسبوعيين في مسجد السنجقدار، لينتقل بعدها إلى مسجد تنكز ثم إلى مسجد الإيمان في دمشق. وكان له دروس أخرى في مسجد والده الشيخ ملا رمضان البوطي وفي المسجد الأموي.
اشترك في مؤتمرات وندوات عالمية كثيرة، وحاضر في معظم الدول العربية والغربية من أبرزها محاضرته في مجلس البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ عن حقوق الأقليات في الإسلام سنة 1991، كما شارك كمستشار في بعض لقاءات المجمع الفقهي الإسلامي. كان عضوًا في هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وعضوًا في جمعية نور الإسلام في فرنسا. وكان عضوًا في مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي في عمّان، وفي المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد، وعضوًا في المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة بأبي ظبي. تولى إمامة الجامع الأموي بدمشق والإشراف على النشاط العلمي فيه، كما كان رئيس اتحاد علماء بلاد الشام.
أفكاره وآراؤه :
سبّب ظهور كتابه «الجهاد في الإسلام» عام 1993 الكثير من الجدل، بسبب نبذه للعنف في التغيير، وتحريمه للخروج على الحاكم.في فترة أحداث سوريا 2011-2013 دافع البوطي عن النظام السوري، وانتقد المتظاهرين، مما تسبب بانتقادات حادة وأعداء كثر له
مثّل البوطي التوجه المحافظ لمذاهب أهل السنة الأربعة وعقيدة أهل السنة وفق منهج الأشاعرة، وقد عُدّ البوطي من أهمّ من دافع عن عقيدتهم في وجه الآراء السلفية، وقد ألف في الموضوع كُتُبًا مثل: «السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي» و«اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية». كما ويُعد البوطي من علماء الدين السنة المتخصصين في العقائد والردّ على الفلسفات المادية وقد ألف كُتُبًا عنها مثل: «أوروبا من التقنية إلى الروحانية، مشكلة الجسر المقطوع»، و«نقض أوهام المادية الجدلية»، هاجم فيه الفكر الشيوعي والإلحادي.
ومن الناحية السياسية، فقد ربط البوطي علاقة مع النظام السياسي الحاكم في سوريا منذ عهد الرئيس حافظ الأسد خاصة في بداية التسعينيات حيث ظهر حينها ضمن وسائل الإعلام السورية الرسمية، وكان على علاقة شخصية بحافظ الأسد عندما طلب الرئيس اللقاء بالبوطي إثر قراءته لبعض كتبه. وأصبح يستدعيه بين الحين والآخر في جلسات طويلة، وقد كان من أبرز نتائج تلك اللقاءات استجابة الرئيس لطلبه إذ أطلق سراح عدد كبير من المعتقلين، وفتح المجال لعودة الذين خرجوا بسبب أحداث المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى معالجة كثير من القضايا الأخرى المتعلقة بالمعاهد الشرعية والإعلام والكتب الإسلامية . كما سبّب وقوفه مع النظام السوري في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين كثير من الانتقاد آنذاك، إذ ظل منذ أحداث مدينة حماة في 1982 ينافح عن شرعية حكم عائلة الأسد، وعدم جواز الخروج عليها لأن الحاكم فيها لم يصل إلى الكفر البواح (أن يعلن جهارًا الكفر، وخروجه عن الإسلام)، وقد سبّب ظهور كتابه «الجهاد في الإسلام» عام 1993 في إعادة الجدل القائم بينه وبين بعض التيارات السياسية ذات التوجهات الإسلامية، بسبب نبذه للعنف في التغيير، وتحريمه للخروج على الحاكم إلا إن ثبت كفره .
وفي عهد بشار الأسد، بقيت العلاقة قويّة بين البوطي والنظام، مما عكس تأثيرًا للبوطي في بعض النواحي الحياتية، مثل التراجع عن القرار بمنع توظيف المنقبات في سلك التربية والتعليم. وإلغاء الامتياز الوحيد لكازينو سوري افتُتح على طريق المطار. كما أقرّ تأسيس محطة فضائية لترويج الفكر الديني الوسطي، كان يشرف عليها البوطي، وسُمّيت بـ«نور الشام». ويرى مراقبون أن تقارب البوطي مع السلطة السياسية في سوريا كان له تأثير في المحافظة على سياسة سوريا المتعلقة بدعم حركات المقاومة في فلسطين. وكان البوطي يبتعد عن السياسية بشكل عام ويحث الدعاة على ترك الخوض فيها. وكان من موقعي بيان يؤيد قرار الأزهر تجميد الحوار مع الفاتيكان بعد تعليقات للبابا التي أساءت للمسلمين .
أسئلة الزائرين