من السنن الإلهية - سنة التكامل

 

إن دراسة السنن الإلهية بل واستقلال علم بدراستها وبيان علاقتها مع المبادئ العامة القرآنية التي تُكوِّن أيضاً عقل المسلم من مثل قوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام:164] وقوله سبحانه: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 179] وقوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ) [المائدة: 95] وقوله سبحانه: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم:39] وقوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78] إلى آخر ما هنالك من أسس ومبادئ تبين أن الضرر يزال، واليقين لا يرفع بالشك، والأمور بمقاصدها ونحو ذلك..

كل ذلك يعد من الأمور المهمة الواجب الوقوف عليها وإعطائها مزيداً من الجهد والعناية من قبل العلماء والباحثين.

فدراسة السنن الإلهية يمكن أن تفيد الإنسان والإنسانية بنظرة جديدة لمجموعة العلوم الاجتماعية والإنسانية ويمكن بهذه النظرة أن نهيئ لتجديد علمي واع للخطاب الديني.

ولقد ألَّف المرحوم الشيخ محمد الصادق عرجون عن السنن الإلهية، ودعا الشيخ رشيد رضا في المنار إلى الالتفات إليها، ومن المحدثين تكلم عنها الدكتور جمال عطية، وكتبت السيدة زينب عطية موسوعة لها، وللدكتور عبد الكريم زيدان كتاب مستقل، وهناك إسهامات الدكتور مصطفى الشكعة رحمه اللَّه.. وكذلك كتاب الدكتور مجدي عاشور الذي يجمع بين التأصيل والتطبيق، ويعد صنيع الدكتور سيف عبد الفتاح في كتابه «مدخل القيم» محاولة جادة رصينة لبدء تكوين هذا العلم الذي قد يصل بنا إلى بناء علم أصول فقه الحضارة بعد أن وضع الشافعي علم أصول فقه النص الشريف.

ولمعرفة سنن اللَّه في الكون فوائد عظيمة في حياة الإنسان المسلم، حيث إنه يتمكن من الفهم عن اللَّه في كونه، ومن التسليم والرضا بقضائه، ومن الاستفادة من هذه السنن في تنظيم منهج حياته للوصول إلى ربه وخدمة أمته.

نتكلم هذه المرة عن سنة إلهية مهمة وهي: سنة التكامل. والتكامل يعني أموراً.

الأول: أن المخلوقات بها نقص جبلي، فيحتاج كل مخلوق إلى باقي المخلوقات في منظومته حتى يحقق الوظائف التي بها معاشه وسعادته..

والثاني: أن اللَّه تنزه عن الاحتياج إلى زوج يكمله. وتَفَـرَّد بالقيومية، وجعل خلقه أزواجاً في حاجة في الظاهر إلى بعض، وفي الباطن في فقر دائم وحاجة مستمرة له سبحانه، فقال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) [يس:36].

والثالث: أن أساس العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان هي التعاون وليس العداء، بل إن أساس العلاقة بين الإنسان والكون هي التفاعل والصلاح والتكامل، مما يؤكد على ما استقر في عقلية المسلم من أن الصراع طارئ، وأن الأساس التكامل.

والرابع: أن ما دام الأمر كذلك فعلى المسلم مسئولية كبيرة في هذه الأرض، وهي عودة الاستقرار والسلم إليها، وإنهاء حالة الصراع والنزاع فتلك المفاهيم التي تترتب على سنة التكامل لو اطلع عليها من يهاجم الإسلام بغير علم لاعتذر للأمة في تراثها وفي تاريخها، واهتدي بها في سيره لإصلاح العالم بأسره..

والخامس: أن يتواضع الإنسان لخالقه سبحانه، حيث يدرك الإنسان نقصه واحتياجه لكل ما حوله، فهو في حاجة دائمة للهواء الخارجي للتنفس، وللماء للشرب، وللطعام للأكل، وللنوم، ولقضاء الحاجة، وللزوجة، وللأبناء، وللأصدقاء، واللَّه هو الذي يغني الإنسان بتوفير كل ذلك له، فيتواضع لعظمة اللَّه، ويتيقن من فقره، ويعلم أنه غير قادر على الاستقلال بعيداً عن اللَّه وفضله.

الكثير من الفوائد والمعاني العظيمة تخبرنا بها تلك السنة الإلهية المهمة مما يجعل تلك السنة منهجاً متكاملاً للتربية والصلاح وعمارة الأرض وإفشاء السلام.

إن اللَّه قد خلق الأكوان مختلفة في ظاهرها، لكنها متحدة في الهدف والغاية، فهذا الخلاف والاختلاف إنما هو للتنوع وليس للتضاد.؛ فالليل والنهار يشكلان يوماً واحداً لكل منهما خصائص، والذكر والأنثى لكل منهما خصائص، ولكل منهما وظيفة، والحاكم والمحكوم لكل منهما وظيفة، والغني والفقير، وكذلك أغلب الثنائيات الخلقية أو القدرية؛ فالخلقية كالليل والنهار والذكر والأنثى، والقدرية كالحاكم والمحكوم والغني والفقير سميناها قدرية لنفرقها عن الخلقية وإن كان فيها سعي للإنسان واختيار وكسب إلا أنها من فضل اللَّه وقدره أيضاً.

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك