ذكرنا أن العلماء قسموا مفهوم الحب في الإسلام إلى ثلاثة أصناف من حيث المحب: حب من الله وحب الله وحب في الله والنوع الأول يتمحور حول حب الله تعالى لمن شاء من خلقه وحبه لهم هو إرادة الإحسان والإكرام وإنزال الرحمة بهم.
أما النوع الثاني: وهو حب لله أو حب الله فإن لله تعالى صفات الكمال ونعوت الجمال والجلال وهو يحب لأنه متصف بكل جميل ومنزه عن كل قبيح وهو سبحانه يحب لذاته ويقصد لذاته وحب الله هو مقام عظيم من مقامات القرب وعبادة المحبة هي عبادة أولياء الله الصادقين المخلصين وكل من عرف ربه أحبه فهو الكريم سبحانه وهو الذي أسبغ على خلقه نعمه.
وقد أخبر سبحانه أن الذين آمنوا يحبون الله حبا شديدا فقال عز وجل: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة:165] كما أبى الله سبحانه وتعالى على المؤمنين أن يقدموا محبة غيره أيا كانت على محبته وجعل من يفعل ذلك من الفاسقين الخارجين عن دائرة حبه ورضاه فقال جل وعز: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
وحب الله أساس الإيمان بحيث لو خلا قلب المؤمن من حب الله لم يكن مؤمنا باتفاق المسلمين وإنما يتفاوت الخلق في درجة حبهم لله وقد طلب سبحانه وتعالى من الذين يزعمون أنهم يحبون الله الدليل العملي على ذلك الحب فقال جل شأنه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].
أما النوع الثالث من الحب فهو الحب في الله وهذا النوع هو أساس وحدة المجتمع المسلم إذ ما أمر الله به من إحسان في المعاملة للوالدين والأقربين والجار والصحبة وكل من يخالطهم الإنسان ما كان له أن يتم باعتباره أوامر مخالفة للعاطفة فكان الحب في الله هو أساس الإحسان في هذه المعاملات كلها وقد أخبرنا ربنا سبحانه وتعالي عن هذا المظهر البديع في موقف الأنصار في تكوين أول نواة للمجتمع المسلم علي الأرض حيث قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9] وهذا الحب الصادر من الأنصار للمهاجرين الذين وصل حد الإيثار على النفس قد امتدحه الله على أنه النموذج الأعلى للعلاقة بين المسلم وأخيه.
والحب في الله هو أعلى مظاهر الإيمان بالله ومن أوثق عرى الإسلام ولهذا أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث عن فضل هذا المظهر الجليل والخلق العظيم وهو حب المرء في الله لأنه من أهل طاعته نذكر من هذه التوجيهات النبوية ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا الله وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» (رواه البخاري).
ومن هذه التوجيهات أيضا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» (رواه مسلم) ومنها ما رواه أبو هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملكا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها أي تملكها أو تقوم بإصلاحها؟ قال: إني أحببته في الله عز وجل قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه» (رواه مسلم).
وهناك الكثير من التوجيهات النبوية الشريفة تنبه إلى منزلة الحب في الله ولا يخفى أثر ما إذا فشا الحب في الله بين أفراد المجتمع فلك أن تتخيل مجتمعا متحابا في الله لا يظلم فيه أحد أخاه ولا يبيع على بيعته ولا يخطب علي خطبته ولا يوغر صدره فيجد المسلم في هذا الحين إن كل أوامر الله يسيرة عليه إذا ما أحب المسلمون في الله وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
وكذلك لا يخفى ما في الحب في الله من أثر عظيم في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء العالم كله فإن الدين الاسلامي كي ينتشر لابد أن يكون المجتمع الإسلامي نموذجا مشرفا بحيث إذا رآه الآخرون أحبوا أن يدخلوا في هذا الدين وليس هناك أفضل ولا أجمل من أن يرى الآخرون المسلمين متحابين في الله حتى يحبهم الله عز وجل ويمكن لهم وييسر لهم أمرهم.
نسأل الله أن يجعلنا وجميع المسلمين متحابين في جلاله ونسأله أن يثيبنا على هذا بأن يجعلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله والله الهادي إلى سبيل الرشاد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أسئلة الزائرين