آداب المفتي

 

ينبغي أن يتحلى المفتي بكثير من الآداب، ولأن تلك الآداب غير محصورة كالشروط نذكر جملة منها بالنقل عن الأئمة والعلماء، فمن ذلك ما نبه عليه الإمام أحمد من أمور، فقال: (لا ينبغي للرجل فمن ذلك ما نبه عليه الإمام أحمد من أمور، فقال: (لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال أولاها: أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور، ثانيتها: أن يكون له علم، وحلم، ووقار، وسكينة، ثالثتها: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته، رابعتهما: الكفاية وإلا مضغة الناس، خامستها: معرفة الناس).. راجع (إعلام الموقعين، لابن القيم، ج4 ص 152).

وقد ذكر ابن القيم كلاماً مفيداً في هذا المبحث، حيث قال: (ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا وإلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة، مرضي السيرة، عدلا في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مداخله ومخرجه وأحواله) راجع (إعلام الموقعين، لابن القيم، ج1، ص 9،8).

وينبغي عليه أن يحسن زيه، مع التقيد بالأحكام الشرعية في ذلك، فيراعي الطهارة والنظافة لأن تأثير المظهر في عامة الناس لا ينكر، وهو في هذا الحكم كالقاضي، كما ينبغي عليه أن يحسن سيرته بتحري موافقة الشريعة في أفعاله وأقواله، لأنه قدوة للناس في ما يقول ويفعل، فيحصل بفعله قدرا عظيما من البيان، لأن الأنظار إليه مصروفة، والنفوس على الاقتداء بهديه موقوفة.

كما ينبغي عليه كذلك أن يصلح سريرته ويستحضر عند الإفتاء النية الصالحة من قصد الخلافة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بيان الشرع، وإحياء العمل بالكتاب والسنة، وإصلاح أحوال الناس بذلك، ويستعين بالله على ذلك، ويسأله التوفيق والتسديد، وعليه مدافعة النيات الخبيثة من قصد العلو في الأرض والإعجاب بما يقول، وخاصة حين يخطئ غيره ويصيب هو، وقد ورد عن سحنون: فتنة الجواب بالصواب أعظم من فتنة المال.

وعليه أن يكون عاملا بما يفتي به من الخير، منتهيا عما ينهي عنه من المحرمات والمكروهات، ليتطابق قوله وفعله، فيكون فعله مصدقا لقوله مؤيدا له، فإن كان بضد ذلك كان فعله مكذبا لقوله، وصادا للمستفتي عن قبوله والامتثال له، لما في الطبائع البشرية من التأثر بالأفعال، ولا يعني ذلك أنه ليس له الإفتاء في تلك الحالة إذ ما من أحد إلا وله زلة كما هو مقرر عند العلماء أنه لا يلزم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون صاحبه مؤتمراً منتهيا في كل شيء، وهذا ما لم تكن مخالفته مسقطة لعدالته، فلا تصح فتياه حينئذ.

كما يراعي ألا يفتي حال انشغال قلبه بشدة غضب أو فرح أو جوع أو عطش أو إرهاق أو تغير خلق، أو كان في حال نعاس، أو مرض شديد، أو حر مزعج، أو برد مؤلم، أو مدافعة الأخبثين ونحو ذلك من الحاجات التي تمنع صحة الفكر واستقامة الحكم، لأن الفتوى تبليغ حكم شرعي، فهو كالحكم بين الناس، فيستمع لنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: «لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان» (أخرجه البخاري في صحيحه) فإن حصل له شيء من ذلك وجب عليه أن يتوقف عن الإفتاء حتى يزول ما به ويرجع إلى حال الاعتدال.

وإن كان عنده من يثق بعلمه ودينه فينبغي له أن يشاوره ولا يستقل بالجواب تسامياً بنفسه عن المشاورة، وعلى هذا كان الخلفاء الراشدون، وخاصة عمر رضي الله عنه، فالمنقول من مشاورته لسائر الصحابة أكثر من أن يحصر، ويرجو بالمشاورة أن يظهر له ما قد يخفى عليه، وهذا ما لم تكن المشاورة من قبيل إفشاء السر، فإن المفتي كالطبيب يطلع من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيره، وقد يضر بهم إفشاؤها أو يعرضهم للأذى فعليه كتمان أسرار المستفتين، ولئلا يحول إفشاؤه لها بين المستفتي وبين البوح بالمسألة على وجهها الواقعة، إذا عرف أن سره ليس في مأمن، هذه جملة من آداب المفتي التي عليه الاهتداء بها اتباعاً لمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا أرحم الراحمين.

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك