سائل يقول: بعتُ ثمار مزرعتي المثمرة مِن فاكهة المانجو، وذلك بمبلغٍ مِن المال لمدة عامين، وبعد أن اتفقنا على ذلك، أفادني أحد الناس أنَّ هذا العقد حرام؛ بحُجة أنني بعتُ ثمار العام الثاني، علمًا بأن المشتري متكفل بجميع المصاريف طول هذه المدة، فما حكم هذا البيع؟
الجواب :
وضع الشرع الشريف القواعد والضوابط التي تنظم علاقة الأفراد بعضهم ببعض؛ في البيع والشراء والأخذ والعطاء، وأرشد إلى طرق الكسب الحلال فيها، ونهى عمَّا يخالفها؛ رعايةً للحقوق، وتحقيقًا للمصالح، ورفعًا للتظالم؛ قال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
والمعاملة المسؤول عنها تُصحَّح على أنها بمنزلة إجارة الأرض بما عليها من الأشجار للانتفاع بثمرها؛ والدليل على ذلك: فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما رواه محمد بن المنكدر قال: "مات أسيد بن حضير، فأُبسِل ماله بدَيْنه، فبلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرده فباعه ثلاث سنين متواليات، فقضى دَينه" أخرجه الحافظ أبو نعيم في "معرفة الصحابة"، وأخرجه الإمام البخاري في "التاريخ الأوسط" عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن أسيد بن حضير حين هلك فقال عمر لغرمائه" فذكره هكذا مختصرًا.
وجاء في "أُسْد الغابة" لابن الأثير (1/ 113، ط. دار الفكر) في ترجمة أسيد بن حضير رضي الله عنه: [وأوصى إِلَى عمر، فنظر عمر في وصيته، فوجد عليه أربعة آلاف دينار، فباع ثمر نخله أربع سنين بأربعة آلاف، وقضى دَينه] اهـ.
وفي رواية محمد بن المنكدر أنَّ أسيد بن حضير رضي الله عنه تُوفِّي وعليه ستة آلاف درهم دَيْنًا، فدعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه غُرَمَاءَهُ، فقَبَّلَهم أرضَه سِنِين، وفيها النخل والشجر" أخرجه الحافظ ابن كثير في "مسند الفاروق" عن حرب بن إسماعيل الكِرْماني رواية عن سعيد بن منصور، وقال عَقِبه: [هذا إسنادٌ جيدٌ وإن كان فيه انقطاع، ومعنى قبَّلهم: أي: ضمَّنهم، وقد ذهب إلى مقتضاه بعض العلماء، ونصره ابن عقيل وغيره مِن متأخري أصحاب الإمام أحمد] اهـ.
وقد فَعَل ذلك أمير المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه وهو بالمدينة النبوية بمشهدٍ مِن المهاجرين والأنصار، ولم ينقل أنَّ أحدًا منهم أنكر ذلك عليه، وهذه القضية في مظِنَّة الاشتهار؛ قال الإمام بدر الدين العيني في "البناية" (10/ 289، ط. دار الكتب العلمية): [وَرَدَ عن عمر رضي الله عنه أنه ضَمَّنَ حديقة أسيد بن حضير ثلاثَ سنين، وهذا بمشهد من الصحابة ولم يَرِد أن أحدًا منهم أنكره عليه] اهـ.
والقول بمشروعية إجارة الشجر منفردًا للانتفاع بالثمار مستقبلًا قال به الحنابلة في أحد الوجهين (نصره ابن عقيل وغيره)، ونسبه الشيخ ابن القيم إلى الإمام الليث بن سعد في "أحكام أهل الذمة" (1/ 259، ط. دار رمادي).
قال العلامة شمس الدين ابن مُفْلِح في "الفروع" (7/ 130، ط. مؤسسة الرسالة): [وجوَّز شيخُنا إجارةَ الشجر مُفرَدًا ويقوم عليها المستأجر] اهـ.
وقال العلامة علاء الدين المَرْدَاوِي في "الإنصاف" (5/ 482، ط. دار إحياء التراث العربي) في مسألة "إجارةُ أرضٍ وشجرٍ لِحَمْلِهَا": [جوَّزه ابن عقيلٍ تبعًا للأرض ولو كان الشجرُ أكثر، واختاره الشيخ تقي الدين، وصاحب "الفائق"] اهـ.
وقال العلامة برهان الدين ابن مفلح في "المبدع" (4/ 402، ط. دار الكتب العلمية): [فرع: لا تجوز إجارةُ أرض وشجر فيها.. وجوَّزه ابن عقيلٍ تبعًا ولو كان الشجرُ أكثر؛ لأنَّ عُمَرَ رضي الله عنه ضَمَّن حديقة أُسَيد بن حضير رضي الله عنه لَمَّا مات ثلاث سِنِين لوفاء دَيْنه، رواه حربٌ وغيرُه، ولأنه وَضَع الخراجَ على أرضِ الخراجِ وهو أجرةٌ] اهـ.
وقد استدلوا بفعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه السابق ذكره، كما استدلوا على جواز إجارة الشجر للانتفاع بثماره بالقياس على إجارة الأرض للانتفاع بما تُنتجه؛ فقد اتفق جمهور الفقهاء على مشروعية إجارة الأرض، وقد حكى الإجماع على ذلك الإمام ابن المنذر؛ فقال في "الإشراف" (6/ 263، ط. مكتبة مكة الثقافية): [أجمع عوام أهل العلم على أن اكتراء الأرض وقتًا معلومًا جائزٌ بالذهب والفضة؛ روينا هذا القول عن سعد بن أبي وقاص، ورافع بن خديج، وابن عمر، وابن عباس، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن الحارث، وأبو جعفر، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي] اهـ.
والإجارة في مسألتنا تكون في مقابلة أعيان وهي الثمر، ومعلومٌ أنَّ الإجارة إنما تكون في مقابلة المنفعة؛ وذلك لأنَّ الأعيان التي تحدث شيئا بعد شيء مع بقاء أصل الشجرة هي كالمنافع في حصول الفائدة، وهو ما قرره الإمام بدر الدين العَيْني الحنفي، حيث قال في "البناية" (10/ 289): [قلت: قول شمس الأئمة هو الأقرب إلى الفقه، لأن الأعيان تحدث شيئًا فشيئًا من يقع أصلها بمنزلة المنافع فتجوز إجارتها كالعارية لمن ينتفع بالمتاع ثم يرده، والعرية لمن يأكل ثمرة الشجرة ثم يردها، والمتخذ لمن يشرب لبن الشاة ثم يردها، وإجارة الظئر ثابتة بنص القرآن الموافق للقياس الصحيح. فيجب أن يكون أصلًا يُقاس عليها إجارة الشجر لثمرها وإجارة البقر للبنها والشاة ونحوها لا أن تجعل إجارة البقر لشرب لبنها باطلة ويقاس عليها إجارة الظئر] اهـ.
كما نقل العلامة ابن رشد المالكي عن الإمام أبي بكر الأبهري وغيره صحة إجارة الأشياء التي ينتفع بها مع بقاء عينها، والتي يقاس عليها الانتفاع بثمر الشجر مع بقاء أصله، فقال في "بداية المجتهد" (4/ 10، ط. دار الحديث): [والشافعي يشترط في جواز استئجار المنفعة أن تكون متقَوَّمة على انفرادها، فلا يجوز استئجار تفاحة للشم، ولا طعام لتزيين الحانوت؛ إذ هذه المنافع ليس لها قيم على انفرادها، فهو لا يجوز عند مالك، ولا عند الشافعي. ومن هذا الباب اختلاف المذهب في إجارة الدراهم والدنانير. وبالجملة: كل ما لا يُعرَف بعينه: فقال ابن القاسم: لا يصح إجارة هذا الجنس وهو قرض، وكان أبو بكر الأبهري وغيره يزعم أن ذلك يصح وتلزم الأجرة فيه، وإنما منع من إجارتها؛ لأنه لم يتصور فيها منفعة إلا بإتلاف عينها؛ ومن أجاز إجارتها تصور فيها منفعة، مثل أن يتجمل بها أو يتكثر، أو غير ذلك مما يمكن أن يتصور في هذا الباب، فهذه هي مشهورات مسائل الخلاف المتعلقة بجنس المنفعة] اهـ.
ثم إنَّه وإن كانت الإجارة على الأرض والشجر تبع، أو على الشجر والثمر تبع؛ فإنَّه من المقرر في القواعد الفقهية أنه "يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع"، وهو ما عبَّر عنه الفقهاء بقولهم: "يُغْتَفَرُ في التَّوابع ما لا يُغْتَفَر في غيرها"، أو "يُغْتَفَر في الشيء ضمنًا ما لا يُغْتَفَر فيه قصدًا"؛ كما في "الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 120، ط. دار الكتب العلمية).
قال الإمام الكرخي في "أصوله" (ص: 6، ط. مطبعة جاويد بريسي): [الأصل أنه قد يثبت الشيء تبعًا وحكمًا وإن كان قد يبطل قصدًا] اهـ.
وتقريرًا لهذا الأصل فقد أجاز الفقهاء من البيوع ما لا تجوز استقلالًا وإنما جازت تبعًا؛ ومن أمثلة ذلك بيع الزرع قبل أن يشتد تبعًا للأرض، وبيع الثمر قبل بُدُوِّ الصلاح إذا بيع مع الشجر ونحو ذلك.
قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (10/ 182، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا باع الزرع قبل الاشتداد مع الأرض بلا شرطٍ جاز تبعًا للأرض وكذا الثمر قبل بُدُوِّ الصلاح إذا بيع مع الشجر جاز بلا شرط تبعًا] اهـ.
لا يضر في صحة هذه المعاملة كون الثمر في حيازة البائع؛ لأنه يخلي بينها وبين المشتري، وجمهور الفقهاء على أنَّ قبض الزروع أو الثمار يكون بالتخلية بين البائع والمشتري.
قال العلَّامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "ردِّ المحتار" (4/ 562، ط. دار الفكر): [ويصح تسليم ثمار الأشجار وهي عليها بالتخلية، وإن كانت متصلة بملك البائع] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (2/ 108، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(ويتسلط المشتري على) التصرف في (الثمرة بتخلية البائع) بينه وبينها لحصول القبض بها] اهـ.
وقال الإمام عز الدين ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (2/ 84، ط. الكليات الأزهرية): [الثمار على الأشجار إذا أينعت وبدا صلاحها، الأصح: أن تخليتها قبض لها] اهـ.
وقال العلَّامة الرُّحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (3/ 202، ط. المكتب الإسلامي): [(ولمشترٍ بيعه)، أي: الثمر الذي بدا صلاحه، والزرع الذي اشتد حبه (قبل جَذِّهِ)؛ لأنَّه مقبوض بالتخلية، فجاز التصرف فيه كسائر المبيعات] اهـ.
يضاف إلى ذلك أنَّه إذا وافق التعاقد ظهور الثمر على الشجر -خاصة في العام الأول- سواء كان بدا صلاحه أم لا فإن ذلك لا يؤثر في صحة العقد، حيث إنَّه إن كان قد ظَهَر الثمر على الشجر فهو إمَّا أن يكون قد بَدا صلاحه أم لا، وكلُّ حالة من هذه الأحوال لها تكييفها الخاص بها، ويتبع ذلك اختلاف الحكم الشرعي والفتوى فيها.
فإن كان الثمر قد ظَهَرَ على الشجر وبَدا صلاحه فهو عقدٌ تامٌّ صحيحٌ شرعًا.
أما إن كان الثمر الذي ظَهَرَ في أول خروجه -أي: لم يبدُ صلاحه بعد-؛ فهو جائز على ما ذهب إليه الحنفية في الصحيح من مشروعية البيع بعد الظهور قبل بُدُوِّ الصلاح بغيرِ شرطٍ.
قال العلامة ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (6/ 287، ط. دار الفكر): [لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك، ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح، لكن بدو الصلاح عندنا أن تأمن العاهة والفساد. وعند الشافعي هو ظهور النضج وبدو الحلاوة، والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح على الخلاف في معناه لا بشرط القطع؛ فعند مالك والشافعي وأحمد لا يجوز؛ وعندنا: إن كان بحال لا ينتفع به في الأكل ولا في علف الدواب خلاف بين المشايخ، قيل: لا يجوز، ونسبه قاضي خان لعامة مشايخنا، والصحيح: أنه يجوز؛ لأنه مالٌ منتفعٌ به في ثاني الحال إن لم يكن منتفعًا به في الحال، وقد أشار محمد في كتاب الزكاة إلى جوازه، فإنه قال: لو باع الثمار في أول ما تطلع وتركها بإذن البائع حتى أدرك فالعشر على المشتري، فلو لم يكن جائزًا لم يوجب فيه العشر على المشتري، وصحة البيع على هذا التقدير بناء على التعويل على إذن البائع.. وإلَّا فلا انتفاع به مطلقًا فلا يجوز بيعه] اهـ.
وقد حملوا النهي على ما قبل ظهور الثمر الوارد في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا؛ نَهَى البَائِعَ وَالمُبْتَاعَ» على شرط الترك على الشجر، وعلى ما بعد ظهوره بشرط القطع؛ وهذا لا خلاف في منعه.
قال العلامة ابن نُجَيم الحنفي في "البحر الرائق" (5/ 325، ط. دار الكتاب الإسلامي) في بيان وجه الاستدلال بالحديث السابق: [وأجاب عنه الإمامُ الحلواني كما في "الخانية": أنه محمولٌ على ما قبل الظهور، وغيره على ما إذا كان بشرط الترك، فإنهم تركوا ظاهره؛ فأجازوا البيع قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط القطع، وهي معارضةٌ صريحةٌ لمنطوقه؛ فقد اتفقنا على أنه متروكُ الظاهر، وهو لا يحلّ إن لم يكن لموجب، وهو عندهم: تعليله عليه الصلاة والسلام بقوله: «أرأيتَ إن منع اللهُ الثمرةَ؛ فيما يَستَحِلُّ أحدُكُم مالَ أخيه»، فإنه يستلزم أن معناه أنه نهى عن بيعها مدركةً قبل الإدراك؛ لأن العادة أن الناس يبيعون الثمار قبل أن تقطع، فنهى عن هذا البيع قبل أن توجد الصفة المذكورة، فصار محل النهي بيع الثمرة قبل بُدُوِّ الصلاح بشرط الترك إلى أن يبدو الصلاح، والبيع بشرط القطع لا يُتَوَهَّمُ فيه ذلك، فلم يكن متناولًا للنهي، وإذا صار محله بيعها بشرط تركها إلى أن تصلح فقد قضينا عهدة هذا النهي؛ فإنا قد قُلنا بفساد هذا البيع، فبقي بيعُها مطلقًا غيرَ متناولٍ للنهي بوجهٍ من الوجوه] اهـ.
ومن تلك النصوص يتبيَّن أن الحنفية في الصحيح قد اشترطوا لجواز هذه الصورة شرطين:
أحدهما: أن يكون البيع مطلقًا بلا شرط؛ فلا يشترط البائعُ على المشتري قطع الثمار في الحال عند الشراء، ولا يشترط المشتري على البائع ترك الثمار في الأشجار إلى تمام النضج.
والآخر: أن يكون الثمر منتفعًا به في الحال أو المآل؛ سواء في الأكل أو علف الدواب أو غير ذلك، حتى يصدق عليه أنه مالٌ متقوَّم.
وهذان الشرطان متحقّقان في مسألتنا، فالعقد بين مشتري الثمار وصاحب المزرعة واقع على ثمار منتفع بها، وجاء مطلقًا في خصوص الثمار دون اشتراط قطعها في الحال، ولا تركها لتمام النضج، فالمزرعة وما يحدث فيها في حيازة المشتري بعد استلامها من مالكها.
إن قيل: إن هذه المعاملة بهذه الصورة قد يجتمع فيها عقدان، وهما عقد إجارة وبيع، وقد نهى الشرع الشريف عن بيعتين في بيعة؟
قلنـا: ليس كلُّ اجتماع لعقدَيْن ممنوعًا شرعًا، والجمع بين البيع والإجارة في عقد واحد جائز عند جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، والشافعية في الأظهر، والحنابلة في الأصح.
قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (15/ 102، ط. دار المعرفة): [وإذا اشترى نعلًا بدرهم وشراكًا معها على أن يحذوها البائع فهو جائز استحسانًا؛ لكونه متعارفًا بين الناس] اهـ.
وقال الإمام القَرَافي المالكي في "الذخيرة" (5/ 415، ط. دار الغرب الإسلامي): [ويجوز اجتماع البيع والإجارة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين" (3/ 431، ط. المكتب الإسلامي): [الضرب الثاني من جمع الصفقة: أن يجمع عقدين مختلفي الحكم. فإذا جمع في صفقةٍ بين إجارةٍ وسلمٍ، أو إجارةٍ وبيعٍ، أو سلمٍ وبيع عينٍ، أو صرفٍ وغيره، فقولان. أظهرهما: يصح العقد فيهما. والثاني: لا يصح في واحدٍ منهما] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "الكافي" (2/ 20، ط. دار الكتب العلمية): [فإن جمع بين عقدين مختلفي الحكم، كبيعٍ وإجارةٍ، أو صرفٍ بعوضٍ واحدٍ صحَّ فيهما؛ لأن اختلاف حكم العقدين لا يمنع الصحة] اهـ.
هذا، وتصحيح هذه المعاملة جارٍ على اعتبار العرف واستقرار تعامل الناس بهذه العقود، وفي نزع الناس عن عادتهم حرجٌ ومشقة، وهو ما اعتبره محققو الحنفية في إجازة بيع ثمرة الكمثرى أول ما تظهر على الشجر، فقال الإمام كمال الدين ابن الهمام في "فتح القدير" (6/ 287): [والحيلةُ في جوازه باتفاق المشايخ: أن يبيع الكمثرى أول ما تخرج مع أوراق الشجر، فيجوز فيها تبعًا للأوراق كأنه ورق كله، وإن كان بحيث ينتفع به ولو علفًا للدواب فالبيع جائز باتفاق أهل المذهب إذا باع بشرطِ القطع أو مطلقًا، ويجب قطعه على المشتري في الحال، فإن باعه بشرط الترك فإن لم يكن تناهى عظمه فالبيع فاسد عند الكلِّ، وإن كان قد تناهى عظمه فهو فاسد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو القياس. ويجوز عند محمد استحسانًا، وهو قول الأئمة الثلاثة، واختاره الطحاوي لعموم البلوى] اهـ.
مِمَّا ينبغي التنبه إليه أن يد المستأجر لهذه الأشجار بغرض الحصول على الثمرة يد أمانة، فلا ضمان عليه بغير تعدٍّ ولا تفريط منه، فمن الأمور التي اتفق عليها الفقهاء أنَّ ضمان العين المستأجرة على المؤجر، وأن المستأجر لا يضمن إلا عند التعدي أو التفريط.
قال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (5/ 396): [والعين المستأجرة أمانة في يد المستأجر، إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها.. ولا نعلم في هذا خلافًا؛ وذلك لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها، فكانت أمانة] اهـ.
بناءً على ذلك: فلا حرج شرعًا في التعاقد على ثمار المزرعة المسؤول عنها لمدة عامين فأكثر مع تحمل المشتري التكاليف، لما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المصدر
أسئلة الزائرين