قواعد الأمن الاجتماعي "إفشاء السلام وحب الجار"

 

1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه).. وإفشاء السلام إنما هو شعار لسلامي فعلي يسود بين الناس، ويكون تصديقاً لتلك المحبة التي تسكن ضمير المسلم ووجدانه وتؤثر في سلوكه تجاه الآخر، ففي إلقاء السلام كتحية تعبيري عن سلامي داخليّ، وفيه تأمين الآخرين وإشعارهم بالطمأنينة، وفيه تدريب للجميع على حب السلام والدعوة إليه واتخاذه شعاراً ومنهاجاً للحياة.

2- ويشمل الحديث واحدة من أهم الوسائل الحوارية التربوية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أصحابه على الكثير من المفاهيم والقيم الأخلاقية ألا وهي السؤال والاستفسار، فهو صلى الله عليه وسلم يستنفر عقول أصحابه بالسؤال لإعمال الفكر في الإجابة، وأحياناً يدعهم يجيبون، وأحياناً يطلبون الإجابة، وفي كلا الحالين يدربون أنفسهم على التخيل والاجتهاد وحب المعرفة، وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا النص تضمَّن إخباراً عن غاية يجب على المسلم السعيُ لتحصيلها ومعرفة أوفر السبل التي توصل إليها، إنها المحبة، المحبة على المستوى الاجتماعي. ويدل على ذلك استخدام النبي للفعل «تحاببتم» في صيغة المفاعلة والمشاركة، ثم تأتي إجابة النبي لتوضح أن السلام هو سبيل تحقيق المحبة بين الناس، فالمشاركة مع المتعلم بالسؤال تدفعه إلى تدريب ذهنه ووجدانه على البحث دائماً عن الفضائل وطريق تحصيلها.

3- وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم لإلقاء السلام وتحية الآخرين به آداباً وسلوكيات تنظمه فمثلاً إن تلاقي الراكب والماشي بدأ الراكب بالسلام، وإن مَنَّ الماشي على القاعد بدأه بالسلام، وكذا الفرد يسلم على الجماعة والصغير يسلم على الكبير، وفي ذلك صور من احترام الآخر، واحترام الجماعة، واحترام الكبير، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير» (صحيح البخاري)، وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» (البخاري)، ويذلك لا تجد قوماً يمر بعضهم ببعض فينطقون بالسلام في نفس واحد، أو ينتظر كل منهم الآخر أن يلقي عليه التحية فيمرون في الطريق ولا يسلم أحدهم على الآخر، وعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليالي، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (البخاري)، فهو يبدأ أخاه بالسلام كتحية ويبدأه بالسلام أيضاً كمصالحة وترك للهجر والشحناء، وتلك صورة تحفظ على الناس رحمة التعاون والمشاركة في الحياة.

4- والأمن الاجتماعي هو أعلى مستويات تحقُّق السلام، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال: «ألا أخبركم بخيركم من شركم؟..» قال: فسكتوا.. فقال: ذلك ثلاث مرات. فقال رجل: بلى يا رسول الله  أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: «خيركم مَن يُرْجَي خيره، ويؤمن شره، وشركم مَن لا يُرْجَي خيره ولا يؤمن شره». (أخرجه الترمذي في سننه)، فالخير لا يتمثل فقط في إفشاء السلام وفعله، بل في استمراره، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتحدث عن خير المؤمنين وهو الشخص الذي يفعل الخير وما يزال يفعله حتى يأمنه المجتمع كله فيتوقع منه دائماً السلام، ويأمنه دائماً فلا يتوقع منه أي شر أو عدوان.

5- ومثل هذا الحديث ما ورد في صحيح الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه». فالنبي صلى الله عليه وسلم يحض على السلام مع الجار، بمعني عدم إيذائه، وفي مستوى أعلى يأمر بتوفير الأمان للجار من البوائق والشرور، أي يجعل المسلم جاره لا يتوقع منه أي اعتداء أو بغي، وذلك لا يتحقق إلا بمداومة تقديم البر والسلام لجاره ومفهوم الجار في الإسلام مفهوم شامل، يشمل المسلم والكافر والحر والعبد والغني والفقير والقريب والأجنبي والقاصي والداني والأفراد والجماعات، فتحقيق السلام مع الجار هو نواة تحقيق السلام في المجتمع ككل، وهو طريق تحقيق الأمن الاجتماعي.

6- وكما وضَّح دين الإسلام آداب إفشاء السلام وسلوكياته، نص كذلك على قواعد حب الجار، فأورد الإمام الغزالي في كتابه (إحياء علوم الدين) (الجزء الثاني صفحة 213) جملة هذه السلوكيات فقال رحمه الله: (وجملة حق الجار: أن يبدأه بالسلام، ولا يطيل معه الكلام، ولا يكثر عن حاله السؤال، ويعوده في المرض، ويعزيه في المصيبة، ويقوم معه في العزاء، ويهنئه في الفرح، ويظهر الشركة في السرور معه، ويصفح عن زلاته، ولا يتطلع من السطح إلى عوراته، ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره. ولا في مصب الماء في ميزابه، ولا في مطرح التراب في فنائه، ولا يضيق طرقه إلى الدار، ولا يتبعه النظر فيما يحمله إلى داره، ويستر ما ينكشف له من عوراته، وينعشه من صرعته إذا نابته نائبة، ولا يغفل عن ملاحظة داره عند غيبته، ولا يسمع عليه كلاماً، ويغض بصره عن حرمته، ولا يديم النظر إلى خادمته، ويتلطف بولده في كلمته، ويرشده إلى ما يجهله من أمر دينه ودنياه).

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك