الدور العلمي للمرأة في صدر الإسلام (4) صحابيات أديبات

 

لم تقتصر مشاركة الصحابيات في الحراك العلمي على علوم القرآن والحديث والفقه فقط‏،‏ بل تجاوزته إلى مجال الأدب شعرا ونثرا،‏ فوقفن على صف واحد مع كبار شعراء الصحابة مثل حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير‏.‏

فالباحث المدقق في السيرة أديبات والتاريخ الإسلامي والأدب العربي يوقن بأن للصحابيات مشاركات في الأدب لا تقل عن مشاركات الصحابة بلاغة وإبداعا، فقد عرف عن عدة منهن قرض الشعر وانشاء النثر، فمن عرف عنهن ذلك، أروى بنت عبد المطلب وصفية بنت عبد المطلب عمتا رسول الله، والخنساء، ورقية بنت صيفي، وسعدي العبشمية خالة عثمان بن عفان رضي الله عنه، والشيماء بنت الحارث، وعائكة بنت زيد، وقتيلة بنت النضر، وغيرهن كثير.

أما صفية بنت عبد المطلب فهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشقيقة حمزة رضي الله عنه ووالدة الزبير بن العوام، أسلمت وروت وعاشت إلى خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت أديبة شاعرة رثت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا

*

وكنت بنا برا ولم تك جافيا

وكنت رحيما هاديا ومعلما

*

ليبك عليك اليوم من كان باكيا

لعمرك ما أبكي النبي لفقده

*

ولكن لما أخشى من الهرج آتيا

كأن على قلبي لذكر محمد

*

وما خفت من بعد النبي المكاويا

أفاطم صلى الله رب محمد

*

على حدث أمسى بيثرب ثاويا

فدى لرسول الله أمي وخالتي

*

وعمي وآبائي ونفسي وماليا

فلو أن رب الناس أبقى نبينا

 

*

سعدنا ولكن أمره كان ماضيا

(تفسير القرطبي 4/224).

وكذلك كانت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما من الفصيحات البليغات العالمات بالأنساب والأشعار، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منها إلى بعض ما ترويه من الشعر، وقد تواترت الأخبار عن فصاحتها رضي الله عنها وبراعتها في الشعر، فعن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتا ومائة بيت (الطبقات الكبري لابن سعد 8/72). وكانت رضي الله عنها ما ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا، فعن عبد الرحمن بن أبي الزياد عن أبيه قال: ما رأيت أحدا أروى للشعر من عروة، فقيل له: ما أرواك؟ فقال: ما روايتي في رواية عائشة؟! ماكان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا (الإصابة لابن حجر 8/18).

لقد بلغت أم المؤمنين عائشة من الفصاحة والبيان مبلغا عظيما، مما دفع كبار الصحابة إلى الثناء عليها والإعجاب بفصاحتها وبلاغتها العالية، فها هو معاوية رضي الله عنه يقول: والله ما سمعت خطيبا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ من عائشة رضي الله عنها (البداية والنهاية 8/132)، ومن أقوالها الجامعة فصاحة وإنجازا رضي الله تعالى عنها: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، وتقول: إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة: التواضع، ولما قبض أبوها أبو بكر رضي الله عنه ودفن قامت على قبره، وقالت: نضر الله يا أبت وجهك وشكر لك صالح سعيك، فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها، وللآخرة معزا، بإقبالك عليها، ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رزءك، وأكبر الأحداث بعده فقدك، فإن كتاب الله عز وجل ليعدنا بالصبر عنك حسن العوض منك، وأنا منتحزة من الله موعودة فيك بالصبر عليك، ومستعينته بكثرة الاستغفار لك، فسلام الله عليك، توديع غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك (تاريخ دمشق لابن عساكر30/443).

وقد فاق بعض الصحابيات الرجال في الشعر بلاغة وإبداعا، والمثال على ذلك أم الشهداء، تماضر بنت عمرو رضي الله عنها الملقبة بالخنساء، التي أجمع علماء الشعر على أنه لم تكن امرأة أشعر منها، اشتهر رثاؤها في أخويها معاوية وصحر وعظم مصابها، وأنشدت الخنساء في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني هي والأعشى وحسان بن ثابت فقال لها النابغة: والله لولا أن أبا بصير الأعشى أنشدني قبلك لقلت إنك أشعر الناس (خزانة الأدب للبغدادي 8/114)، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنشدها ويعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: هيه يا خناس ويومي بيده (الإصابة 7/614).

والمتأمل في شعر الصحابيات ونثرهن يلحظ الصدق والسليقة والروحانية ورهافة الحس ومناصرة الدعوة والرسالة، مما يدل على حضورهن القوي ومشاركتهن الفعالة في المجتمع في عهد النبوة، وشعرهن ونثرهن في ذلك جزء لا يتجزأ من التراث الأدبي العربي والإسلامي، فرضي الله عنهن.

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك