السؤال :
أنا طالب مسلم أدرس الفيزياء في جامعة في أمريكا، وكنت قد سمعت من أحد الأساتذة في إحدى المحاضرات: أنه توجد عملية تسمى Time travel وتترجم إلى العربية السفر عبر الزمن وهي إلى المستقبل والماضي أو إلى المستقبل فقط، وقد أصبح ذلك ممكنًا عن طريقة نظرية Twin paradox.
وأما السفر إلى الماضي فغير ممكن حاليًا. لكن بعض العلماء يقولون إن من الممكن أن يحدث هذا في المستقبل؛ لأن الاكتشافات كانت في الأسس أحلامًا، فمن غير المستبعد حدوث هذا في المستقبل. وعندما قلت هذا لإمام أحد المساجد وجدته يعترض بشدة، بل قال: إن هذا لم يحدث ولن يحدث؛ لأنه يوجد نصوص في القرآن والسنة تنفي حدوث هذه الفكرة صراحة، وإن اعتقدت بهذه الفكرة فأنت آثم؛ لأنك تعتقد بحدوث أمر الله، وقال إنه لن يحدث، وعندما قلت له: إن بعض المشايخ قال هذا على عملية الاستنساخ قبل حدوثها، رد بأن العلماء قالوا إن من يحاول إنجاح الفكرة آثم، ولم يقولوا إن هذه الفكرة مستحيل حدوثها، بخلاف فكرتك السابقة فإنه يوجد نصوص تمنع حدوث مثل هذه الفكرة. فما القول الصحيح؟ هل يوجد نصوص تقول إن هذه الفكرة لم تحدث، أو من المكن أن تحدث لكن أصحابها آثمون أم من الممكن حدوثها؟
الجواب :
حث الإسلام على البحث العلمي وتلمُّس آيات الله تعالى المنظورة في الكون والمسطورة في الوحي، بما يدل عليه سبحانه وتعالى وجودًا وصفات، ويدل على سننه ونظامه في الأنفس والآفاق؛ فمصدر المعرفة في الإسلام شيئان: الوحي والوجود، وقد جاء الأمر الإلهي بقراءة الوحي وقراءة الكون؛ لأنهما من عند الله، قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]، فهما لا يختلفان ولا تنازع بينهما؛ فإن ما كان من عند الله تعالى فهو لا يختلف ولا تناقض فيه، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]، وقد تفرد الإسلام من بين الأديان والمذاهب الأرضية والتيارات والأفكار بأنه الوحيد الذي جعل آخر طريق العلم هو الجنة، فأخرج مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ».
ومثل هذه الأبحاث لا ينبغي المسارعة إلى دعوى تناقُضِها مع الكتاب والسنة؛ لأن الشريعة تستوعب كل الأسقف المعرفية وتتسق مع كل الحقائق العلمية، كما أنها تحث على الاجتهادات البحثية طالما هي في طور البحث الجادِّ والاجتهاد العلمي، بل وتبشر المجتهد فيها بالأجر حتى لو أخطأ ما لم يدَّع غير الحقيقة أو ينفي الحقائق الثابتة، وعلى كلٍّ فالإسلام أكبر من أفهام الناس، والنصوص الشرعية أنزلها الحكيم الخبير الذي يعلم الغيب.
فمن النظريات العلمية المشهورة نظرية النسبية لأينشتاين؛ وهي تقتضي في نتائجها -التي ما زال بعضها نظريًّا ومحل بحث مستمر، بل إن بعضها منسوب إلى الفلسفة الفكرية أكثر منه إلى الفيزياء المادية- إمكانية السفر عبر الزمن ورؤية الماضي والمستقبل، وقد جاءت فكرة أينشتاين عن السفر عبر الزمان من تفسيره للزمان بالمكان والمكان بالزمان، فالساعة كذا تعبر عن موضع معين للأرض من الشمس، وفي نفس هذه الساعة زمن آخر، كما يجتمع ليل ونهار، فتتعدد التقديرات الزمنية على الأرض، ولكن لا تتعدد في الزمان والمكان الواحد أو ما يسمونه بالزمكان من جهة واحدة.
وبنت النسبية هذا المعنى على أساس أن هناك حدًّا لسرعة الأشياء يجعلها محصورةً دائمًا في مدى زماني ومكاني محدد لا تتعداه، فإذا أمكن لجسم ما أن يزيد من معدل سرعته خارج هذا الحدِّ أمكنه كسر هذا الإطار ليدخل في قواعد زمان ومكان مختلفة، ومن ذلك ما يفعله الضوء بسرعته التي تحيل المادة إلى طاقة، ويتناهى عندها الزمان إلى أصغر حدوده المعقولة 300,000 كم/ ث؛ فلو تُصُوِّر أن إنسانًا امتطى صهوة شعاع ضوئي فإنه يخرج عن حيز الأرض في أقل بكثير من الثانية.. وهكذا. انظر مثلًا: كتاب "أينشتاين والنسبية" للدكتور/ مصطفى محمود (ص: 53-61، 79-87، ط. دار المعارف، ط. 7/ 1993م).
وهذا كله من دلائل قدرة الله تعالى فإنه هو خالق الزمن وهو القادر على أن يجعله مختلفًا من عالم إلى آخر؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: 47]، وقال عز وجل: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج: 4]، وقال: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: 5]، ولذلك نرى القرآن يتحدث عن المستقبل أحيانًا بالأفعال الماضية كقوله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: 1]، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: 1]، وقال: ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [ق: 31]، وقوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ [ق: 20]، وقوله: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الزمر: 69]، ويتحدث عن الماضي أحيانًا بالأفعال المضارعة التي تفيد التجدد والحدوث بل والاستقبال أحيانًا؛ كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾ [الحجر: 97]، وقوله: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: 91]، وقوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ﴾ [المائدة: 18]، وقوله: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة: 1]، ونرى تنوع أزمنة الفعل في السياق الواحد؛ كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ [الحج: 63]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن القرآن هو النص الإلهي المطلق الخارج عن حدود الزمان والمكان.
ومفهوم الانتقال عبر الزمن هنا غير الانتقال العاديِّ الذي نعيشه؛ مِن أن الذي يعيش للغد يكون قد انتقل من أمسه إلى يومه إلى غده، إنما الصورة هي أن يكسر هذا القانون العادي وينتقل إلى مستقبل بعيد أو قريب بينما الزمان العادي على ما هو عليه؛ فيسبق معدل وقته ويقطع عبر الزمن مسافات غير عادية ليعيش لحظات ستقع بعد حين، أو بالعكس حدثت وانقضت قبل يومه فيعود إليها ويومه ماضٍ كما هو بالنسبة لغيره.
وهذا الانتقال عبر الزمن متصوَّر باختلاف العوالم الذي يجعل هناك تفاوتًا في معايير الزمان بالنسبة إلى كل عالم، وهذا الانتقال له صور: فقد يكون الانتقال إلى المستقبل، وقد يكون إلى الماضي، ويكون ذلك أيضًا برؤية أيٍّ من الماضي أو المستقبل أو شيء منه بينما الرائي لا يزال في لحظته، وكلها أمور جائزة عقلًا، وليست من المحال العقلي. ويدخل ذلك كلُّه في قوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ۞ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ۞ لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجن: 26-28]؛ ودقة التعبير وعمق الدلالة في قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ هي خير شاهد على ذلك.
فأما الانتقال للمستقبل: فإن له صورًا كثيرة؛ فيتصور مثلًا في حياة الآدمي إذا عاش بعد موته قبل قيام الساعة، من جهة أن الميت ينتقل بموته عن الزمن الذي عاش فيه في الحياة الدنيا إلى عالم البرزخ بقوانينه الزمنية والمكانية المختلفة عن عالم الدنيا، فإذا عاش بعد موته مرة أخرى فهو بذلك قد انتقل إلى مستقبله بالنسبة إلى زمن حياته الدنيا؛ فيصدق بذلك عليه أنه سافر إلى المستقبل، والحياة بعد الموت من الأمور الجائزة عقلًا ووقوعًا، كما حصل مع سيدنا عزير عليه السلام الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، وكما حصل من سيدنا عيسى عليه السلام في إحياء الموتى بإذن الله، وقد حصل ذلك من سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم في إحياء بعض الموتى، وقد صنف ابن أبي الدنيا كتابًا في "من عاش بعد الموت" وهو مطبوع، والإحياء بعد الموت بإذن الله تعالى هو من معجزات الأنبياء عليهم السلام، وهو أيضًا من كرامات الأولياء؛ إذ من المقرر في أصول أهل السنة والجماعة أن كل ما جاز معجزة لنبيٍّ جاز كرامة لوليٍّ، فلا يكون ذلك ممنوعًا في العقل، ولا دليل على منعه في الشريعة.
ويتصور الانتقال عبر الزمن أيضًا فيما يُسَمَّى طي المكان وبسط الزمان، وهو حاصل في معجزات الأنبياء عليهم السلام وكشف الله تعالى المغيَّبات لهم بحيث يرونها رأي العين؛ كتجلية الله تعالى بيت المقدس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصفه لكفار قريش، ورؤيته الجنة والنار في صلاة الكسوف، وسماعه خشخشة نعل بلال رضي الله عنه بين يديه في الجنة، ورؤيته عمرو بن لُحَيٍّ الخزاعي وهو يجر قصبه في النار مع أنه ما زال في الحياة البرزخية، وفي حديث "الصحيحين" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على أُطُمٍ من آطام المدينة، ثم قال: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ، كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ»، بل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إسرائه ومعراجه قد جاوز كل قوانين الزمان والمكان التي يعرفها المخلوقون، فسار إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء الدنيا التي فيها النجوم التي تبعد عن الأرض بملايين ملايين السنين الضوئية، ثم إلى السماوات العلا التي تُقَدَّر كل سماء بالسماء التي بعدها بالحلقة التي ألقيت في صحراء شاسعة مترامية الأطراف، ثم إلى سدرة المنتهى، ثم رجع إلى فراشه وما زال دافئًا؛ أي أنه لم يزد على نحو أربع دقائق صلى الله عليه وآله وسلم وهي المدة التي يستغرقها الفراش دافئًا في الأحوال العادية، فإذا كان الخروج عن القوانين المعروفة بهذا المعنى متصورًا فالخروج من قوانين عالم إلى قوانين عالم آخر جائز من باب أولى.
كما أنه حاصل أيضًا في كرامات الأولياء، كما حصل مع الذي عنده علمٌ من الكتاب عندما أحضر لسيدنا سليمان عليه السلام عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في غمضة عين، وكما حصل مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما نادى سارية وهو يخطب في المدينة: يا ساريةُ، الجبلَ الجبلَ. وسارية بالعراق، وبينهما مسيرة شهر، فسمعه وأطاعه فنجوا من العدو، وهذا قد يسميه بعضهم ظاهرة التخاطر أو التواصل عن بعد.
وكذلك الحال في الانتقال إلى الماضي أو رؤيته أو انكشافه أو انكشاف شيء منه في الحاضر: هو داخلٌ في الإمكان العقلي، وليس محالًا في العقل تصوره، وإنما هو محال عادي، بمعنى أن العادة جرت بعدم حصوله؛ لكن حصوله ممكن على جهة خرق العادة الدنيوية؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا﴾ [الكهف: 49]، وقوله سبحانه: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: 30]، كما أنه حاصل في معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث يقول: «أَمَّا مُوسَى؛ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذْ انْحَدَرَ فِي الوَادِي يُلَبِّي» متفقٌ عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي رواية لمسلم في "صحيحه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مَرَّ بِوَادِي الْأَزْرَقِ، فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا وَادِي الْأَزْرَقِ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ -أي ليفة نخل- وَهُوَ يُلَبِّي»، وفي حديث آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا عند الطبراني في "المعجم الأوسط": "صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قِطْرَانِيَّتَانِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءَةَ، مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفِيرَتَانِ" وإسناده حسن كما قال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/ 117، ط. دار الكتب العلمية)، فقد رفع الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حدود الزمان فرآهم ورأى أحوالهم وأفعالهم التي كانوا عليها في عبادتهم.
وإنما يدخل الانتقال عبر الماضي في الاستحالة العقلية إذا ضُمَّ إليه ما تُدَنْدِنُ حولَه بعضُ قصص الخيال العلمي الوهمية مِن تغيير الماضي بمنع حدوث أشياء حصلت فيه أو التسبب في حصول أشياء لم تحصل، فهذا من المحال العقلي؛ لأنه يقتضي حصول الشيء وعدم حصوله في عالم واحد في زمن واحد من جهة واحدة.
وقد ورد معنى السفر عبر الماضي في غير موضعٍ من التراث من غير أن يقتضي ذلك تغيير شيء في الماضي، فمن ذلك ما ذكره الثعلبي في "تفسيره" (6/ 156-157، ط. دار إحياء التراث العربي)، ونقله عنه الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 389، ط. دار الكتب) من أنه يقال أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل ربَّه أن يريه أصحاب الكهف، فأمره أن يبعث إليهم أربعة من خيار الصحابة، وأن جبريل عليه السلام أرشده أن يدعو الريح الرخاء المسخر لسيدنا سليمان بن داود عليهما السلام لتنقلهم على كساء.. وأنهم اجتمعوا بهم ودعوهم إلى الإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فآمنوا، ثم رجعوا إلى رقدتهم. وهي قصة لم نَقِفْ لها على إسناد، فليس الكلام في صحتها أو عدمه، بل في الاستشهاد على أن مَن أوردها من أهل العلم لم يتعرض لها بالإنكار، فذكرها هنا ليس من باب الاستدلال، بل هو من باب إمكان الحال، حيث لم يذكروا أنها من المحالات العقلية؛ مما يشهد بأنهم لم يروا في معنى السفر عبر الماضي -مع انتفاء ما ذُكِر- استحالةً عقلية.
ولعلماء المسلمين أبحاث علمية حول الإعجاز العلمي المتعلق بالانتقال عبر الزمن في الكتاب والسنة قارنوا فيها بين النظريات الحديثة في هذا المجال وبين ما ورد في الكتاب والسنة من أحداث تدل عليه وتُفَسَّر به تفسيرًا علميًّا مقبولًا، انظر مثلًا: بحث "من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، الزمكانات" للدكتور/ سامي محمد الدلال.
وكل ذلك من آيات الله تعالى الباهرة في الكون والإنسان والآفاق؛ مصداقًا لقوله عز وجل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: 53].
وضابط ذلك كله: أن الله تعالى قادر على كل شيء، وأن القدرة تتعلق بالممكن العقلي، ولكنها لا تتعلق بالمستحيل ولا بالواجب العقليين، فكل ما كان تحت عالم الإمكان، ولم يرد في الشريعة ما يمنع حصوله، فهو داخل تحت القدرة، ولا تُسمَع فيه دعوى الاستحالة، ولا تكفيرَ ولا تضليلَ ولا تأثيمَ في ذلك.
وليس من شأن المسلم المسارعة إلى التخطئة بغير برهان واضح، بل الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وعلى المسلم أن يبحث عن الحق أينما كان، وأن يسعى في البحث العلمي بأريحية لا قيد فيها إلا من جهة التطبيق والممارسة بالضوابط العلمية والدينية والخلقية وغيرها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المصدر
أسئلة الزائرين