الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْقَائِلِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ : ( وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليهِ ، وعلى آَلِهِ وصحبِهِ ، ومَن تبعَهُم بإحسانٍ إلي يومِ الدينِ . وبعدُ فقدْ نظرَ الإسلامُ إلي العملِ نظرةَ تعظيمٍ وتمجيدٍ، فهو سبيلُ الرقِي والتقدمِ ، والمتأملُ في القرآنِ الكريمِ يجدُ فيهِ دعوةً صريحةً للعملِ الذى يتحققُ بهِ إعمارَ الكونِ ، وتحقيقَ الخيرِ للدنيا كلِّهَا ، حيثُ يقولُ الحقُّ سبحانَهُ : ( هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ، ويقولُ سبحانَهُ : ( هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ ) ، ويقولُ (عزَّ وجلَّ): (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) فلأهميةِ العملِ جاءَ الأمرُ بهِ بعدَ الأمرِ بالصلاةِ مباشرةً ، وكان سيدُنَا عراكُ بنُ مالكٍ ( رضي اللهُ عنه ) إذا صلي الجمعةَ انصرفَ فوقفَ علي بابِ المسجدِ ، فقال : اللهمَّ إنِّي أجبتُ دعوتَكَ وصليتُ فريضتَكَ ، وانتشرتُ كما أمرتَنِي ، فارزقنِي من فضلِكَ وأنتَ خيرُ الرازقينَ. كما أنّ السنةَ النبويةَ المطهرةَ زاخرةٌ بالدعوةِ إلي العملِ والجدِّ فيه باعتبارِهِ شرفًا يحفظُ للإنسانِ كرامتَهُ ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (أفضلُ الكسبِ ، بَيْعٌ مَبْرُورٌ، وعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ ) ، ويقولُ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً علَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ له مِن أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ)، وكان سفيانُ الثوريُّ (رحمه اللهُ) يمرُّ ببعضِ الناسِ وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرامِ فيقولُ : ما يُجلسُكُم ؟ قالوا: فما نصنعُ ؟ ! قال : اطلبُوا مِن فضلِ اللهِ ، ولا تكونُوا عيالًا علي المسلمينَ . ويقولُ سيدُنَا عمرُ (رضي اللهُ عنه): لا يقعُدُ أحدُكُم عن طلبِ الرزقِ يقولُ: اللهمَّ ارزقنِي ؛ فقد علمتُم أنّ السماءَ لا تمطرُ ذهبًا ولا فضةً . ولشرفِ العملِ وأهميتِهِ كان الأنبياءُ ( عليهمُ السلامُ ) يعملونَ بأيديِهِم ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( كان داودُ ( عليه السلامُ ) لا يأكلُ إِلّا مِن عملِ يدهِ ) ، ويقولُ : ( كان زكريا ( عليه السلامُ ) نجارًا ) ، وكان نبيُّنَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يعملُ بنفسِهِ ، ويقومُ علي خدمةِ أهلِهِ ، تقولُ السيدةُ عائشةُ ( رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ) : كان رسولُ اللهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يخصفُ نعلَهُ، ويخيطُ ثوبَهُ ، كما دعانَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلي العملِ حتي في آخرِ لحظاتِ حياتِنَا ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إنْ قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكُم فسيلةً ، فإنْ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْهَا) . ومن شرفِ العملِ أنّ الشريعةَ الإسلاميةَ جعلتْ لمَن يسعَي علي كسبِ معاشِهِ ورزقِ أولادِهِ أجرَ الشهيدِ ، فقدْ ربطَ القرآنُ الكريمُ بينَ العملِ وبينَ التضحيةِ في سبيلِ الحقِّ ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ : (وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي ٱلْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ ۙ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ) وحينمَا مَرَّ رجلٌ عَلَى نبيِّنَا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ ونَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعِفُّها فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّه، وإن كان خرج يسعي علي أهله ففي سبيل الله). **** الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ علي أشرفِ الخلقِ سيدِنَا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ أجمعين . إنّ الإسلامَ لم يطلبْ مِنَّا مجردَ العملِ فحسب ، بل حثَّنَا علي إتقانِهِ ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ عزَّ وجلَّ ، ولقد وعدَ ربُّنَا ( عزَّ وجلَّ ) مَن يُتقنُ عملَهُ بالثوابِ العظيمِ ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلً )، كما أنّ إتقانَ العملِ مِن الأمورِ التي يحبُّهَا اللهُ ( عزَّ وجلَّ ) ، حيثُ يقولُ نبيُّنَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ) . فأمانةُ العملِ مسئوليةٌ في عنقِ كلِّ عاملٍ أو موظفٍ أو مسئولٍ ، يراقبُ فيها ربَّهُ ( عزَّ وجلَّ ) ، حيثُ يقولُ سبحانَهُ : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) ، ويقولُ عزَّ وجلَّ : ( وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍۢ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍۢ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكْبَرَ إِلَّا فِى كِتَٰبٍۢ مُّبِينٍ ) وعندَمَا سُئِلَ نبيُّنَا ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عن الإحسانِ ، قال : (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) . اللهم إنَّا نسألُكَ فعلَ الخيراتِ واحفظْ مصرَنَا مِن كلِّ سوءٍ وسائرَ بلادِ العالمين

 

أسئلة الزائرين

لإرسال سؤال أو التعليق يرجى تسجيل الدخول

أضف تعليقك