إمام القراء الإمام الشاطبي المتوفى 590 هـ
هو القاسم بن فِيرُّه – بكسر الفاء، بعدها ياء مثناة تحتية ساكنة، ثم راء
مشددة مضمومة، بعدها هاء ؛ ومعناه بلغة عجم الأندلس : الحديد – ابن خلف بن أحمد
أبو القاسم، وأبو محمد الشاطبي الرعيني، الضرير، وليُّ الله الإمام العلاَّمة، أحد
الأعلام الكبار المشتهرين في الأقطار. وهو من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة
وأبرز علماء علم القراءات.
هو أبو محمد القاسم بن فيرة بن أحمد الشاطبي الرعيني (نسبة إلى ذي رعين أحد
أقيال اليمن). والشاطبي: بفتح الشين المعجمة وبعد الألف طاء مكسورة مهملة وبعدها
باء موحدة، هذه النسبة إلى شاطبة، وهي مدينة كبيرة ذات قلعة حصينة بشرق الأندلس،
خرج منها جماعة من العلماء، استولى عليها الفرنج في العشر الأخير من شهر رمضان،
سنة خمس وأربعين وستمائة.
ولد عام 538 هـ في مدينة شاطبة بالأندلس، كف بصره صغيرًا، وعنيت به أسرته،
فحفظ القرآن الكريم، وتعلم طرفًا من الحديث والفقه، واتجه إلى حلقات العلم التي
كانت تعقد في مساجد شاطبة، ومالت نفسه إلى علم القراءات، فتلقاها على أبي عبد الله
محمد بن أبي العاص النفزي، ثم شد رحاله إلى بلنسية وكانت من حواضر العلم في
الأندلس. وممن كناه أبا القاسم كالسخاوي وغيره، لم يجعل له اسماً سواها. والأكثرون
على أنه أبو محمد القاسم.
رحل إلى بلنسية بالقرب من بلده، فعرض بها التيسير من حفظه والقراءات على
الإمام ابن هذيل وسمع منه الحديث وروى عنه وعن أبي عبد الله محمد بن أبي يوسف بن
سعادة، صاحب أبي علي الحسين بن سكرة الصدفي ؛ وعن الشيخ أبي محمد عاشر بن محمد بن
عاشر، صاحب أبي محمد البطليوسي ؛ وعن أبي محمد عبد الله بن أبي جعفر المرسي ؛ وعن
أبي العباس بن طرازميل ؛ وعن أبي الحسن عليم بن هاني العمري، وأبي عبد الله محمد
بن حميد، أخذ عنه « كتاب سيبويه » و« الكامل » لابن المبرد و« أدب الكاتب » لابن
قتيبة وغيرها ؛ وعن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحيم، وأبي الحسن ابن النعمة صاحب
كتاب : « ريّ الظمآن في تفسير القرآن »، وعن أبي القاسم حبيش صاحب عبد الحق بن
عطية، صاحب التفسير المشهور، ورواه عنه.
ثم رحل للحج ؛ فسمع من أبي طاهر السلفي بالإسكندرية وغيره. ولما دخل مصر،
أكرمه القاضي الفاضل وعرف مقداره، وأنزله بمدرسته التي بناها بدرب الملوخيا داخل
القاهرة، وجعله شيخها، وعظمه تعظيماً كثيراً، فجلس بها للإقراء، وقصده الخلائق من
الأقطار، وبها أتم نظَم هذا المتن المبارك. ونظم – أيضًا – قصيدته الرائية المسماة
: « عقيلة أتراب القصائد، في أسنى المقاصد » في علم الرسم، وقصيدة أخرى تسمى «
ناظمة الزهر » في علم عدد الآي. وقصيدة دالية خمسمائة بيت لـخَّصَ فيها « التمهيد
» لابن عبد البر. ثم إنه لما فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بيت المقدس، توجه
فزاره سنة /589 هـ/، ثم رجع فأقام بالمدرسة الفاضلية يُقرئ حتى تُوفي.
وكان إماماً كبيراً، أعجوبة في الذكاء، كثير الفنون، آية من آيات الله،
غاية في القراءات، حافظاً للحديث، بصيراً بالعربية، إماماً في اللغة، رأساً في
الأدب، مع الزهد والولاية، والعبادة، والانقطاع والكشف، شافعي المذهب، مواظباً على
السُّنَّة ؛ قال ابن خلكان : « كان إذا قُرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ،
تُصحح النسخ من حفظه ». بلغنا أنه وُلد أعمى. ولقد حكى عنه أصحابه ومن كان يجتمع
به عجائباً ! وعظموه تعظيماً بالغاً، حتى أنشده الإمام الحافظ أبو شامة الدمشقي –
– من نظمه في ذلك :
رَأَيْتُ جَمَاعَةً فُضَلاَءَ فَازُوا----- برُؤْيَةِ شَيْخِ مِصْرَ الشَّاطِبيِّ
وَكُلُّهُمُ يُعَظِّمُهُ وَيُثْنِي ------- كَتَعْظِيمِ الصَّحَابَةِ
للنَّبِيِّ
وممن قرأ عليه هذا النظم المبارك، وعرض عليه ما تضمنه من القراءات : الإمام
أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي، وهو أجلُّ أصحابه وكان أنبغ تلاميذه،
وانتهت إليه رئاسة الإقراء بعد شيخه، ؛ والإمام أبو عبد الله محمد بن عمر القرطبي،
والسديد عيسى بن مكي، ومرتضى بن جماعة، والكمال علي بن شجاع الضرير، وهو صهره ؛
والزَّيْن محمد بن عمر الكردي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن سعيد الشافعي، وعيسى بن
يوسف بن إسماعيل المقدسي، وعلي بن محمد بن موسى النجيبي وعبد الرحمن بن إسماعيل
التونسي. وممن سمع عليه، وقرأ عليه بعض القراءات : الإمام أبو عمرو عثمان بن عمر
بن الحاجب، والشيخ أبو الحسن علي بن هبة الله بن الجميزي، وأبو بكر محمد بن وضَّاح
اللخمي، وعبد الله بن عبد الوارث بن الأزرق، وهو آخر أصحابه موتاً.
هذا النظم المبارك المشهور بحرز الأماني ووجه التهاني للإمام الورع القاسم
بن فيره بن خلف الشاطبي الرعيني جمع ناظمه ما تواتر عن القراء السبعة
وسراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي لـ "ابن القاصح"، المتوفى (801هـ= 1398م
وقد بارك الله له في تصنيفه، لا سيما هذا النظم المبارك، فلقد رُزق من
القبول والشهرة، ما لا نعلمه لكتاب غيره في هذا الفن، حتى صارت جميع بلاد الإسلام
لا تخلو منه، ولقد بالغ أكثر الناس في التغالي فيه، وأخذ أقواله مُسلَّمة، واعتبار
ألفاظه منطوقاً ومفهوماً، وتجاوز بعض الحد فزعم أن ما فيها هو القراءات السبع، وأن
ما عدا ذلك لا تجوز القراءة به! وقد شرحه كثير من الأئمة المعتبرين، منهم : برهان
الدين إبراهيم بن عمر الجعبري، وشمس الدين الكوراني، وشمس الدين الفناري، وعلم
الدين علي بن محمد السخاوي المصري، وأبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل النحوي، وأبو
عبد الله محمد بن أحمد – المعروف بشعلة الموصلي – وعلاء الدين بن عثمان المعروف
بابن القاصح البغدادي، وأبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد الفاسي، وعماد الدين
علي بن يعقوب الموصلي، وجمال الدين بن علي الحصني، وأبو العباس أحمد بن محمد
القسطلاّني المصري، وأبو العباس أحمد بن علي الموصلي، وتقي الدين عبد الرحمن بن
أحمد المقريزي
متن الشاطبية
تاريخ التأليف: السادس الهجرى
متن الشاطبية المسمى حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع هي منظومة للإمام القاسم بن فيرة بن خلف الشاطبي الرعيني، واسمها الأصلي هو حرز الأماني ووجه التهاني ولكنها اشتهرت بالشاطبية نسبة لناظمها. بلغ عدد أبياتها 1173 بيتاً، نظم فيها الشاطبي القراءات السبعالمتواترة عن الأئمة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي.
أضف تعليقك