الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد
اسمه وحياته:
هو الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد عالم في أنواع متعددة من العلوم وفي علوم اللغة العربية خاصة وله مؤلفات عديدة.
هو الشيخ العالم العلامة الفذ الذي ما من أحد إلا تتلمذ على كتبه، ولقد سارت مؤلفات الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد وتحقيقاته الخالدة في العالم مسير الضوء في الآفاق.
ولقد أتى على الأزهر حين من الدهر وجل ما يُدرس في معاهده من تأليف الشيخ الجليل أو من إخراجه وتحقيقه.
ورأينا الجامعات والمعاهد والمدارس ودور العلم تتخذ كتبه نبراسـًا وهاديـًا، وتقرر بعضها على طلاب الجامعات والدراسات العليا والمعاهد؛ لأنه نفض عن تراثنا، وهو أشرف تراث في الوجود غبار السنين، وقدمه بشروح ضافية، وهوامش دقيقة سامية، ارتوت منها العقلية الإسلامية والعربية، ونهل من معينها الذي لا ينضب القاصي والداني.
ويكفي الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد فخرًا أنه عالج معظم كتب النحو المتداولة بين طلبة العلم وذوي الاختصاص اللغوي العميق، لتيسير دراستها وتذليل قراءتها بالشروح والتعليقات، بدءًا بالآجرومية وهو متن للنحو للمبتدئين، وانتهاءً بشرح الأشموني للألفية وشرح ابن يعيش للمفصل، ويندر أن تجد أحدًا من دارسي العربية في العالم لم يتتلمذ على كتب الشيخ محيي الدين في اللغة والنحو أو يستفد منها.
وإن التعريف بسيرة هذا الإمام الجليل المجدد تشرق بنور العلم، وتتدفق ينابيعها بأثمن ما في تراث أمتنا من كنوز.
لقد قدم للمكتبة الإسلامية والعربية ثلاثمائة كتاب في سائر العلوم والإسلامية والعربية ولا يتمكن من إنجاز هذا الكم الهائل من الأعمال العلمية إلا من كان منقطعـًا للعلم متبتلاً في محراب التأليف والتحقيق، يؤثر خدمة العلم على كل عزيز وغال، يحمل خصائص العباقرة الأفذاذ.
مولد الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ونشأته:
استقبل بيت العلم والفضل في «كفر الحمام» بمحافظة الشرقية الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد سنة ثماني عشرة وثلاثمئة وألف للهجرة الموافق لليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر عام تسعمئة وألف للميلاد.
ونشأ في كنف والده العالم الأزهري الشيخ عبد الحميد إبراهيم الذي كان من رجال القضاء والفتيا، وعرفت أسرة والده وأسرة والدته وأسرة زوجته بالعلم والكرم والتأليف والتحقيق، فورث المجد العلمي كابرًا عن كابر، فسعد منذ ولادته بحياة إسلامية كاملة، وتنفس في مناخٍ علمي، وتربع على موائد الكتاب والسنة، والفقه واللغة، وحب التراث منذ نعومة أظفاره.
وفي كُتَّاب قريته كفر الحمام بالشرقية، حفظ الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد القرآن الكريم في باكورة صباه، ثم التحق بالأزهر الشريف، فتدرج من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية فالمرحلة الجامعية حتى حصل على درجة التخصص في التدريس.
وظهرت مواهب الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد مبكرًا وهو في طور الدراسة، وكان لنشأته في بيت علم وفقه أثر في ذلك، فقد شب وهو يرى كبار رجال العلم والقضاء يجتمعون مع أبيه في البيت ويتطارحون مسائل الفقه والحديث واللغة، فتاقت نفس الصغير إلى أن يكون مثل هؤلاء؛ فأكبَّ على القراءة والمطالعة تسعفه نفس دءوبة وذاكرة واعية وهمة عالية، وطموح وثاب.
وكان من ثمرة ذلك قيامه بشرح مقامات بديع الزمان الهمذاني شرحًا مسهبًا مستفيضًا مشحونًا بدرر الفوائد العلمية وتفسير الإشارات الأدبية والتاريخية التي تمتلئ بها مقامات الحريري، ونشر ذلك العمل وهو لا يزال طالبًا قبل أن يظفر بدرجة العالمية، وصدّر هذا الشرح بإهداء إلى والده عرفانًا بفضله عليه.
وعقب تخرج الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد تلقفه معهد القاهرة مدرسًا به، حتى إذ أنشئت كليات الجامع الأزهر لأول مرة اختير للتدريس بكلية اللغة العربية سنة 1350هـ / 1931م، وكان أصغر أعضاء هيئة التدريس بالكلية سنًا، وكان هذا امتيازًا لم يحصل عليه بعض شيوخه وأساتذته، لكنه ناله بجده واجتهاده، ولم تمضِ عليه أربع سنوات بالكلية الجديدة حتى اختير سنة 1354هـ - م1935م للتدريس بتخصص المادة لطلبة الدراسات العليا، وزامل الكبار من أساتذته وشيوخه مزاملة خصبة مثمرة، فاعترفوا بفضله وعلمه، وتجاوزت شهرته جدران الكلية واسترعى انتباه الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر؛ فاختاره محاضرًا في المناسبات الدينية العامة بالجامع الأزهر كالإسراء والمعراج والاحتفال بالهجرة والمولد النبوي، كما مَثَّل الأزهر في كثير من المؤتمرات الثقافية واللغوية والأدبية.
وكان الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد من خيرة أعضاء هيئة التدريس الذين خدموا العلم في الدراسات العليا، وتدرج في وظائف الكلية، حيث عين وكيلاً، ثم عميدًا لكلية اللغة العربية.
الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد في السودان:
عندما فكرت حكومة السودان في إنشاء دراسة في الحقوق بكلية جوردون استعانت بالشيخ محمد محيي الدين ليشترك في وضع مناهج للعلوم الشرعية سنة (1359هـ- 1940م)، وعمل هناك أستاذًا للشريعة الإسلامية، وانتقل من تدريس النحو والصرف إلى دراسة المواريث وأحكام الأسرة، ولم يكتف ذلك، بل وضع كتابين جيدين في الأحوال الشخصية وأحكام المواريث، ولا يزالان يعدان من المراجع الوافية في بابهما، وظل في السودان أربع سنوات مليئة بالعمل والعطاء حتى عاد إلى مصر في سنة 1352هـ / 1943م.
عودة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد إلى مصر
بعد عودة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد من السودان عُيِّن وكيلًا لكلية اللغة العربية وأسهم في تطوير وإعلاء شأنها.
ثم عين في سنة 1367هـ / 1946م مفتشًا بالمعاهدة الدينية، وبعد عامين نقل أستاذًا بكلية أصول الدين، فمكث بها نحو أربع سنوات حتى اختير مديرًا لتفتيش العلوم الدينية والعربية بالجامع الأزهر، ثم تقلد في سنة 1374هـ / 1954م عمادة كلية اللغة العربية، وظل شاغلا هذا المنصب خمس سنوات عاد بعدها أستاذًا إلى كلية أصول الدين، ومكث بها خمس سنوات رجع بعدها عميدا لكلية اللغة العربية مرة أخرى سنة 1384هـ / 1964م حتى بلغ سن التقاعد بعدها بعام واحد.
في أثناء ذلك وبعده اختير في لجنة الفتوى بالأزهر عضوًا، ثم تولى رئاستها، واختير عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1384 هـ- 1964م)، وتولى رئاسة لجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، وكان عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف.
ولمَّا بلغ الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد سن التقاعد وأحيل إلى المعاش كان على عكس عامة الناس الذين تنتهي بهم سنُّ الخدمة فيركنون إلى الراحة ولو بعض الوقت، فقد كان فضيلته بعد تركه للمناصب الرسمية أكثر تدفقـًا في العطاء.
فقد مكنه تخليه عن الوظائف الرسمية والمسئوليات الإدارية، أن يتفرغ للعلم، وأن يستعيد شبابه، فشمر عن ساعد الجد تأليفـًا وتحقيقـًا وتعليقـًا، وإحياء لكتب التراث التي اندثرت أو كادت لولا جهود هذا الإمام التي تذكر فتشكر.
جهود الشيخ محمد محيي في علوم اللغة العربية والنحو والصرف:
لقد قدم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد للمكتبة العربية والإسلامية الكثير والكثير، من ذلك «التحفة السنية» و«تنقيح الأزهرية» و«قطر الندى» و«أوضح المسالك» و«شرح الأشموني» وعشرات في هذا المضمار، كما قدم شروحـًا لدواوين الشعر وكتب الأدب، وخدم العلوم العربية خدمة تفوق الوصف ولولاه لاندثر الكثير من هذه المصادر الكبرى التي جاءت بها قرائح أسلافنا، ولنبوغه الفائق في مضمار علوم اللغة العربية كان عميدًا لكلية اللغة العربية، واختير عضوًا بمجمع اللغة العربية.
جهوده الشيخ محمد محيي في علوم السنة:
وكما خدم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد اللغة العربية وعلومها وتراثها خدم كذلك علوم السنة النبوية، رواية ودراية، وقام بالتحقيق والتعليق، والتنظيم والتنسيق، فقد كان من بينها كتب لا يستطيع القارئ أن يقف على تعداد ما فيها، ولا على أبوابها أو أوائلها وأواخرها، فيسرها لأهل العلم وقرب منالها لطلاب الحديث، فجاءت تحقيقاته لكتب السنة تحمل مناهج فريدة وعملاً فنيـًا متميزًا، ترى ذلك في كتب «سنن أبي داود» و«الترغيب والترهيب» و«شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث» و«المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد» و«الجامع الصغير» و«فتح المبدي»، ولأهمية جهوده البارزة في خدمة السنة عهد إليه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة لجنة السنة، حيث أخرج كتاب صحيح البخاري على نسق فريد تحقيقـًا وتعليقـًا.
جهوده الشيخ محمد محيي في العلوم الفقهية:
وخدم الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد علم الفقه وأصول الفقه والاستنباط ومصادر التشريع، وقدم للمكتبة الإسلامية أهم التراث والمصادر الفقهية المخدومة علميـًا مثل: «الموافقات في أصول الأحكام» و«الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية» و «المسوَّدة في أصول الفقه» لابن تيميه و«الحاوي للفتاوى» للسيوطي و«الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع» للخطيب و«منهاج الوصول في علم الأصول» و«الدروس الفقهية على مذهب السادة الشافعية» و«أحكام المواريث على المذاهب الأربعة» و«الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية» و«شرح الرحبية».
جهود الشيخ محمد محيي في علم التوحيد والتفسير والتاريخ:
وكانت للشيخ محمد محيي جهودًا في علم التوحيد فقدم «رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبده «الفَرْقُ بين الفِرَق» للبغدادي، و«شرح جوهرة التوحيد» للقاني، و«مقالات الإسلاميين» للأشعري.
كما كانت جهوده في خدمة التفسير، والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وتحقيق كتب الرجال الكبرى التي تعتبر –بحق- من أهم المراجع التي لا غنى للعلماء وطلاب العلم عنها في كل جيل من الأجيال.
ولخدمة للشريعة الإسلامية وكتب الفقه عُيِّن رئيسـًا للجنة الفتوى بالأزهر، وعضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، ومن أراد أن يستوعب تراث هذا العالم الجليل والإمام العظيم فلن يستطيع، لأن المذكور في تاريخ حياته الآن إنما هو بعض التراث المطبوع الذي ألفه أو حققه.
أمَّا باقي تراثه الذي لا وجود له في المكتبات، وقد يوجد عند بعض أقارنه أو أبنائه وبعض المخطوطات التي لم تطبع بعد فهي من الأهمية بمكان، بحيث يجب أن نميط عنها لثام الزمن.
وفاة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد
ظل الشيخ محمد محيي الدين منكبًا على عمله في تحقيق كتب التراث لا يعوقه مرض أو مسئوليات منصب، أو عضوية المجامع عن مواصلة طريقه حتى لقي الله في 25 ذو القعدة 1392هـ الموافق 30 ديسمبر 1972، تاركًا هذا الإنتاج الخصب الذي لا تزال تنتفع بما فيه الأجيال، ويتعجب الإنسان كيف اتسع عمره لإخراج هذا العدد من الكتب المتنوعة في التخصص، الكثيرة في العدد، المختلفة في الأحجام، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء.
رسالة الآداب في علم آداب البحث والمناظرة لمحمد محي الدين عبد الحميد
تاريخ التأليف: الرابع عشر الهجري
هو كتاب في آداب البحث والمناظرة يعلم البحث المنهجية الصحيحة للوصول لبحث مستقيم ويعطي المناظر الملكة التي من خلالها يستطيع أن يكون ملكة فكرية من خلالها يؤثر على المناظرة بالطريقة التي من خلالها يصل إلى الحق.
التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية
تاريخ التأليف: الرابع عشر هجرية
كتاب السنية في شرح المقدمة الآجرومية الذي بين أيدينا هو كما يصفه مؤلفه "كتاب واضح العبارة، ظاهر الإشارة، يافع الثمرة، ذاتي القطاف، كثير الأسئلة والتمرينات". قصد به مؤلفه تفسير فهم المقدمة الآجرومية على صغار الطلبة؛ لأنها الباب إلى تفهم العربية. وهو ثمرة عالم فذّ من علماء العربية .
- مبتدئ
- تمت تغذية الموقع والقنوات
أضف تعليقك