صاحب الصحيح الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، ت 261هـ
اسمه ولقبه:
هو الإمام الحافظ المجوِّد الحُجَّة الصادق، أبو الحسين
مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ القشيري النيسابوري. وقُشَير قبيلة من العرب
معروفة، ونيسابور مدينة مشهورة بخراسان من أحسن مدنها، وأجمعها للعلم والخير.
وُلِد بنيسابور سنةَ 206هـ/ 821م.
نشأته:
نشأ الإمام مسلم في بيت تقوى وصلاح وعلم، فقد كان والده
حجاج بن مسلم القشيري أحد محبي العلم، وأحد من يعشقون حلقات العلماء، فتربى الإمام
وترعرع في هذا الجوِّ الإيماني الرائع. وقد بدأ الإمام مسلم (رحمه الله) رحلته في
طلب العلم مبكرًا، فلم يكن قد تجاوز الثانية عشرة من عمره حين بدأ في سماع الحديث؛
قال الذهبي: "وأول سماعه في سنة ثماني عشرة من يحيى بن يحيى التميمي، وحج في
سنة عشرين وهو أمرد".
شيوخه:
للإمام مسلم رحمه الله شيوخ كثيرون، بلغ عددهم مائتين
وعشرين رجلاً، وقد سمع بمكة من عبد الله بن مسلمة القعنبي، فهو أكبر شيخ له، وسمع
بالكوفة والعراق والحرمين ومصر.
ومن أبرز هؤلاء الأئمة: يحيى بن يحيى النيسابوري،
وقتيبة بن سعيد، وسعيد بن منصور، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو خيثمة
زهير بن حرب، وأبو كريب محمد بن العلاء، وأبو موسى محمد بن المثنى، وهناد بن
السري، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، وعبد الله
الدَّارِمِي، وإسحاق الكوسج، وخلق سواهم.
تلاميذه:
علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي، وهو أكبر منه، ومحمد
بن عبد الوهاب الفرَّاء شيخه، ولكن ما أخرج عنه في (صحيحه)، والحسين بن محمد
القباني، وأبو بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي، وعلي بن الحسين بن الجنيد
الرازي، وصالح بن محمد جزرة، وأبو عيسى الترمذي في (جامعه)، وأحمد بن المبارك
المُسْتَمْلِي، وعبد الله بن يحيى السرخسي القاضي، ونصر بن أحمد بن نصر الحافظ،
وغيرهم كثير.
مؤلفاته:
للإمام مسلم رحمه الله مؤلفات كثيرة، منها ما وُجد،
ومنها ما فُقد؛ ومن هذه المؤلفات:
- كتابه الصحيح، وهو أشهر كتبه.
- كتاب التمييز.
- كتاب العلل.
- كتاب الوُحْدَان.
- كتاب الأفراد.
- كتاب الأَقْران.
- كتاب سؤالاته أحمد بن حنبل.
- كتاب عمرو بن شعيب.
- كتاب الانتفاع بأُهُبِ السِّباع.
- كتاب مشايخ مالك.
- كتاب مشايخ الثوري.
- كتاب مشايخ شعبة.
- كتاب من ليس له إلا راوٍ واحد.
- كتاب المخضرمين.
- كتاب أولاد الصحابة.
- كتاب أوهام المحدثين.
- كتاب الطبقات.
- كتاب أفراد الشاميين.
منهج الإمام مسلم في الحديث:
كتب الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ، أودعه أصول
الأحكام من الصحيح المتفق عليه، ورتبه على أبواب الفقه، ثم عُني الحفاظ بمعرفة طرق
الأحاديث وأسانيده المختلفة، وربما يقع إسناد الحديث من طرق متعددة عن رواة
مختلفين، وقد يقع الحديث أيضًا في أبواب متعددة باختلاف المعاني التي اشتمل عليها.
وجاء محمد بن إسماعيل البخاري إمام المحدثين في عصره،
فخرَّج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميع الطرق التي للحجازيين والعراقيين
والشاميين، واعتمد منها ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه، وكرَّر الأحاديث
يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحديث، فتكررت لذلك أحاديثه حتى
يقال: إنه اشتمل على تسعة آلاف حديث ومائتين، منها ثلاثة آلاف متكررة، وفرَّق
الطرق والأسانيد عليها مختلفة في كل باب.
ثم جاء الإمام مسلم بن الحجاج القشيري (رحمه الله)،
فألَّف مسنده الصحيح، حذا فيه حذو البخاري في نقل المجمع عليه، وحذف المتكرر منها،
وجمع الطرق والأسانيد، وبوَّبه على أبواب الفقه وتراجمه، ومع ذلك فلم يستوعب
الصحيح كله، وقد استدرك الناس عليه وعلى البخاري في ذلك. قال الحسين بن محمد
الماسرجسي: سمعت أبي يقول: سمعت مسلمًا يقول: "صنَّفت هذا - المسند الصحيح -
من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة".
وقد استغرقت مدة تأليفه لهذا الكتاب خمسة عشر عامًا،
قال أحمد بن سلمة: "كنت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة". وقد
ألَّفه في بلده، كما ذكر ابن حجر في مقدمة فتح الباري حيث قال: "إن مسلمًا
صنف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ،
ويتحرى في السياق".
ثناء العلماء عليه:
قال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار يقول:
"حُفَّاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله
الدَّارِمِي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى".
ونقل أبو عبد الله الحاكم أن محمد بن عبد الوهاب الفراء
قال: "كان مسلم بن الحجاج من علماء الناس، ومن أوعية العلم".
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "ما تحت أديم
السماء أصحُّ من كتاب مسلم في علم الحديث".
وقال عنه صاحب أبجد العلوم (صديق بن حسن القنوجي):
"والإمام مسلم بن الحجاج القشيري البغدادي أحد الأئمة الحفاظ، وأعلم
المحدثين، إمام خراسان في الحديث بعد البخاري".
وقال أحمد بن سلمة: "رأيتُ أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان
(مسلمًا) في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما".
من كلمات الإمام مسلم الخالدة
- قوله للإمام البخاري: "دعني أُقبِّلْ رجليك يا
أستاذ الأُسْتَاذِينَ، وسيِّد المحدثين، وطبيب الحديث في علله".
وفاته:
عاش الإمام مسلم 55 سنة، وتُوفِّي ودفن في مدينة
نيسابور سنةَ 261هـ/ 875م. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
أضف تعليقك