إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس المتوفى 179هـ
نسبه و مولده ونشأته:
هو الفقيه والمحدِّث وثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة
والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك
بن أبي عامر الأصبحي الحميري.
وُلد بالمدينة المنورة سنة 93هـ، ونشأ في بيت كان مشتغلاً بعلم الحديث واستطلاع الآثار
وأخبار الصحابة وفتاويهم، فحفظ القرآن الكريم في صدر حياته، ثم اتجه إلى حفظ الحديث
النبوي وتعلُّمِ الفقه الإسلامي، فلازم فقيه المدينة المنورة ابن هرمز سبع سنين يتعلم
عنده، كما أخذ عن كثير من غيره من العلماء مثل نافع مولى ابن عمر وابن شهاب الزهري،
وبعد أن اكتملت دراسته للآثار والفُتيا، وبعد أن شهد له سبعون شيخاً من أهل العلم أنه
موضع لذلك، اتخذ له مجلساً في المسجد النبوي للدرس والإفتاء، وقد عُرف درسُه بالسكينة
والوقار واحترام الأحاديث النبوية وإجلالها، وكان يتحرزُ أن يُخطئ في إفتائه ويُكثرُ
من قول «لا أدري»، وكان يقول: «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق
الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه». وفي سنة 179هـ مرض الإمام
مالك اثنين وعشرين يوماً ثم مات، وصلى عليه أميرُ المدينة عبد الله بن محمد بن إبراهيم،
ثم دُفن في البقيع.
مكانته:
اشتُهر بعلمه الغزير وقوة حفظه للحديث النبوي وتثبُّته فيه، وكان معروفاً بالصبر والذكاء
والهيبة والوقار والأخلاق الحسنة، وقد أثنى عليه كثيرٌ من العلماء منهم الإمام الشافعي
بقوله: «إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك حجة الله على خلقه بعد التابعين». ويُعدُّ
كتابه "الموطأ" من أوائل كتب الحديث النبوي وأشهرها وأصحِّها، حتى قال فيه
الإمام الشافعي: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ مالك». وقد اعتمد
الإمام مالك في فتواه على عدة مصادر تشريعية هي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع،
وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع،
والاستصحاب.
شيوخه:
لقد كانت المدينة المنورة في عصر مالك مهداً للعلم، إذ كان
بها عدد من التابعين، وقد لازم مالك ابن هرمز ملازمة لم يخلطه فيها بغيره، ثم اتجه
إلى الأخذ من غيره من العلماء مع مجالسة شيخه الأول، فوجد في نافع مولى ابن عمر بغيته،
فجالسه مع مجالسة ابن هرمز وأخذ عنه علماً كثيراً، قال الإمام مالك: «كنت آتي نافعاً
نصف النهار، وما تظلني الشجرة من الشمس أتحيَّن خروجه، فإذا خرج أدعه ساعة، كأني لم
أره، ثم أتعرض له فأسلم عليه وأدعه، حتى إذا دخل أقول له: «كيف قال ابن عمر في كذا
وكذا؟»، فيجيبني، ثم أحبس عنه، وكان فيه حدة».
كما أخذ الإمام مالك عن ابن شهاب الزهري، قال مالك: قدم علينا الزهري فأتيناه ومعنا ربيعة، فحدثنا نيفاً وأربعين حديثاً، ثم أتيناه في الغد، فقال: «انظروا كتاباً حتى أحدثكم، أرأيتم ما حدثتكم به أمس؟»، قال له ربيعة: «ههنا من يرد عليك ما حدثت به أمس»، قال: «ومن هو؟»، قال: «ابن أبي عامر»، قال: «هات»، فحدثته بأربعين حديثاً منها، فقال الزهري: «ما كنت أرى أنه بقي أحد يحفظ هذا غيري».
ولقد لازم مالكاً منذ صباه الاحترامُ التامُّ للأحاديث النبوية، فكان لا يتلقاها إلا وهو في حال من الاستقرار والهدوء توقيراً لها وحرصاً على ضبطها، ولذلك ما كان يتلقاها واقفاً، ولا يتلقاها في حال ضيق أو اضطراب، حتى لا يفوته شيء منها. كما أن مالكاً لم يكن يدخر مالاً في سبيل طلب العلم، حتى قال ابن القاسم: «أفضى بمالك طلبُ العلم إلى أن نَقض سقفَ بيته فباع خشبَه، ثم مالت عليه الدنيا من بعد».
جلوسه للدرس والإفتاء:
بعد أن اكتملت دراسة مالك للآثار والفُتيا، اتخذ له مجلساً
في المسجد النبوي للدرس والإفتاء، ولقد قال في هذا المقام وفي بيان حاله عندما نزعت
نفسه إلى الدرس والإفتاء: «ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى
يشاوِر فيه أهلَ الصلاح والفضل والجهة من المسجد، فإن رأوه لذلك أهلاً جلس، وما جلست
حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم أني موضع لذلك». وقد كان جلوس مالك للإفتاء في
المسجد النبوي بعد أن اكتمل عقله ونضج فكره، وفي حياة بعض شيوخه الذين عاشوا بعد أن
نضج واكتمل، ولم تُبين المصادر السنَّ التي جلس فيها مالك للإفتاء بالتعيين الذي لا
شك فيه.
جلس مالك في المسجد النبوي يُفتي ويروي الحديث النبوي لطلاب
الحديث، وكان مجلسُه في المسجد النبوي في المكان الذي كان عمر بن الخطاب يجلس فيه للشورى
والحكم والقضاء، وكان مالك باختياره ذلك المجلس يتأثر عمر بن الخطاب في جلوسه كما تأثره
في فتاويه وأقضيته، وهو المكان الذي كان يوضع فيه فراش النبي محمد إذا اعتكف، وجاء
في طبقات ابن سعد: «كان مجلس مالك في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه خوخة
عمر بين القبر والمنبر». وكذلك فعل مالك في مسكنه، فقد كان يسكن في دار عبد الله بن
مسعود، ليقتفي بذلك أثر عبد الله بن مسعود.
فقهه وأصول مذهبه:
لم يكن للإمام مالك أصولٌ فقهية بالمعنى المعروف، ولم يأخذ
عنه أحد من أصحابه منهاجاً أو أصلاً مما عليه فقهه، ولكن استطاع أصحابه ثم أصحابهم
من بعدهم أن يستقصوا فقهه، وينتزعوا منه الأصول التي بنى عليها، وأما أصول المذهب المالكي
فهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وعمل أهل المدينة، والقياس، والمصالح
المرسلة، والاستحسان، والعرف والعادات، وسد الذرائع، والاستصحاب.
كتبه ومؤلفاته:
الموطأ
يُعد كتاب الموطأ من أوائل كتب الحديث وأشهرها في ترتيبه
وتركيبه، وفي اجتهاده ونقله، وفي حديثه وفقهه، وقد كان أعظمَ مرجع في عصره وأقدمَه،
قال القاضي عياض: «لم يُعتنَ بكتاب من كتب الفقه والحديث اعتناءَ الناس بالموطأ، فإن
الموافق والمخالف أجمع على تقديمه وتفضيله وروايته وتقديم حديثه وتصحيحه، وقد اعتنى
بالكلام على رجاله وحديثه والتصنيف في ذلك عددٌ كثيرٌ من المالكيين وغيرهم من أصحاب
الحديث والعربية». وقد أثنى كثيرٌ من العلماء على الموطأ، قال الإمام الشافعي: «ما
في الأرض كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك، وإذا جاء الأثر من كتاب مالك
فهو الثُّريَّا»، وقال أيضاً: «ما بعد كتاب الله تعالى كتابٌ أكثرُ صواباً من موطأ
مالك»، وقال ابن مهدي: «لا أعلم من علم الإسلام بعد القرآن أصح من موطأ مالك»، وقال
ابن وهب: «من كتب موطأ مالك فلا عليه أن يكتب من الحلال والحرام شيئاً»، وسُئل الإمام
أحمد بن حنبل عن كتاب مالك بن أنس فقال: «ما أحسنه لمن تَديَّن به».
وقد قام كثير من العلماء بشرح كتاب الموطأ.
مؤلفات غير الموطأ:
لم يُعرف الإمامُ مالكٌ بكتاب أكثر شهرة من كتابه الموطأ،
وكثير من الناس لا يعلم له غيره، والواقع أن له تآليف غير الموطأ، قال ابن فرحون في
كتابه "الديباج المذهب": «فمن أشهرها -غير الموطأ- رسالته في القدر، والرد
على القدرية، إلى ابن وهب كما يقول القاضي عياض، ومنها: كتابه في النجوم، وحساب مدار
الزمان ومنازل القمر، وهو كتاب جيد جداً، وقد اعتمد عليه الناس في هذا الباب، وجعلوه
أصلاً».
ومن كتبه أيضًا: رسالته في الأقضية، كتب بها إلى بعض القضاة عشرة أجزاء،
ومن ذلك: رسالته المشهورة في الفتوى، أرسلها إلى أبي غسان محمد بن مطرف، ومن ذلك: رسالته
المشهورة إلى هارون الرشيد في الآداب والمواعظ، ومن ذلك: كتابه في التفسير لغريب القرآن
الذي يرويه عنه خالد بن عبد الرحمن المخزومي. وقد رُوي عن أبي العباس السراج النيسابوري
أنه قال: «هذه سبعون ألف مسألة لمالك»، وأشار إلى كتب منضَّدة عنده كتبها، وقد نُسب
إلى مالك كتاب يُسمى "السِّيَر" من رواية القاسم عنه.
شيوخه:
أدرك الإمام مالك من الشيوخ ما لم يدركه أحد بعده، فقد أدرك
من التابعين نفراً كثيراً، وأدرك من تابعيهم نفراً أكثر، واختار منهم من ارتضاه لدينه
وفهمه وقيامه بحق الرواية وشروطها، وسكنت نفسه إليه، وترك الرواية عن أهل دِين وصلاح
لا يعرفون الرواية، فكان من أخذ عنهم تسعمئة شيخ منهم ثلاثمئة من التابعين، ومن شيوخه:
ابن هرمز، وهو أول شيخ له، ونافع مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وابن شهاب الزهري، وأبو
الزناد، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وأيوب السختياني، وثور بن
زيد الديلي، وإبراهيم ابن أبي عبلة المقدسي، وحميد الطويل، وربيعة بن أبي عبد الرحمن،
وهشام بن عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعائشة بنت سعد ابن أبي وقاص، وعامر بن عبد
الله بن الزبير بن العوام، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي القرشي.
تلاميذه والرواة عنه:
حدَّث عن الإمام مالك عددٌ كبيرٌ من الناس، فقد حدث عنه
من شيوخه: عمه أبو سهيل، ويحيى بن أبي كثير، وابن شهاب الزهري، ويحيى بن سعيد، ويزيد
بن الهاد، وزيد بن أبي أنيسة، وعمر بن محمد بن زيد، وغيرهم.
كما حدث عنه من أقرانه: أبو حنيفة، والأوزاعي، وحماد بن
زيد، وإسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، وابن علية، وعبد الرحمن
بن القاسم، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن وهب، والوليد بن مسلم، ويحيى القطان،
وأبو داود الطيالسي، وعبد الله بن نافع الصائغ، ومروان بن محمد الطاطري، وعبد الله
بن يوسف التنيسي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبو نعيم الفضل بن دكين، والهيثم بن
جميل الأنطاكي، وهشام بن عبيد الله الرازي، ومحمد بن عيسى بن الطباع، وأبو بكر وإسماعيل
ابنا أبي أويس، ويحيى بن يحيى التميمي، ويحيى بن يحيى الليثي، وأبو جعفر النفيلي، ومصعب
بن عبد الله الزبيري، ومحمد بن معاوية النيسابوري، ومحمد بن عمر الواقدي، وأبو الأحوص
محمد بن حبان البغوي، ومحمد بن جعفر الوركاني، ومحمد بن إبراهيم بن أبي سكينة، ومنصور
بن أبي مزاحم، ومطرف بن عبد الله اليساري،أحمد بن نصر الخزاعي، وأما آخر أصحابه موتاً
فهو راوي "الموطأ" أبو حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي، وقد عاش بعد مالك ثمانين
عاماً.
فضله وثناء الناس عليه:
-
تبشير النبي -صلى الله عليه وسلم- به:
روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة أن النبي محمداً قال:
«يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحداً أعلم من عالم المدينة».
وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يوشك أن يضرب الرجل أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجد عالماً أعلم من عالم المدينة».
قال إسحاق بن موسى: «فبلغني عن ابن جريج أنه كان يقول: نرى أنه مالك بن أنس». وقال
يحيى بن معين: «سمعت سفيان بن عيينة يقول: نظن أنه مالك بن أنس».
ثناء بعض العلماء عليه:
قال الإمام الشافعي: «إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، ومالك
حجة الله على خلقه بعد التابعين». وقال: «إذا جاء الأثر فمالك النجم»، وقال: «مالك
وابن عيينة القرينان، لولاهما لذهب علم الحجاز»، وقال: «إذا جاءك الحديث عن مالك فشُدَّ
يدك به»، وقال: «وكان مالك إذا شك في بعض الحديث طرحه كله».
ورُوي عن عبد السلام بن عاصم أنه قال: قلت لأحمد بن حنبل: «الرجل يريد حفظ الحديث، فحديث من يحفظ؟»، قال: «حديث مالك بن أنس»، قلت: «فالرجل يريد أن ينظر في الرأي، فبرأي من؟»، قال: «فرأي مالك بن أنس». وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: «من أثبت أصحاب الزهري؟»، قال: «مالك أثبت في كل شيء».
وقال الإمام النووي: «أجمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظيم سيادته وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ والتثبت، وتعظيم حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه».
وقال الإمام الذهبي: «قد اتفق لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لأحد غيره، أحدها: طول العمر والرواية، ثانيها: الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم، ثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية، رابعها: إجماع الأئمة على دينه وعدالته واتباعه للسنن، خامسها: تقدمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده».
وأخرج البخاري عن يحيى بن سعيد القطان أنه قال: «مالك أمير المؤمنين في الحديث»، وأخرج الغافقي عن أبي قلابة أنه قال: «كان مالك أحفظ أهل زمانه»، وأخرج عن ابن مهدي أنه قال: «ما رأيت أعقل من مالك».
انتشار المذهب المالكي عبر التاريخ:
نشأ المذهب المالكي بالمدينة المنورة موطن الإمام مالك،
ثم انتشر في الحجاز وغلب عليه، ثم انتشر انتشاراً واسعاً في إفريقية من مصر إلى المغرب
ثم الأندلس، وما زال المغرب باستثناء مصر ليس له من مذهب إلا المذهب المالكي، وبقي
قليل من مذهب داود الظاهري في الأندلس، يقول القاضي عياض: «غلب مذهب مالك على الحجاز
والبصرة ومصر وما والاها من بلاد إفريقية، والأندلس وصقلية والمغرب الأقصى إلى بلاد
من أسلم من السودان إلى وقتنا هذا، وظهر ببغداد ظهوراً كثيراً، وضعف بها بعد أربعمئة
سنة، وظهر بنيسابور، وكان بها وبغيرها أئمة ومدرسون».
ولا شك ان المذهب المالكي قد غلب على المدينة المنورة وما حولها، وأما مكة فكان فيها ولم يغلب عليها، لأن مكة كانت ما تزال تسير في فقهها على رأي ابن عباس، حتى إن المدينة المنورة خمل فيها المذهب المالكي دهراً حتى تولى قضاءها ابن فرحون فأظهره، وظهر بالبصرة ثم ضعف بعد القرن الخامس الهجري، وأما مصر فقد ظهر المذهب فيها في حياة الإمام مالك.
وفاته:
مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوماً، ثم جاءته منيته، وأكثر
الرواة على أنه مات سنة 179هـ، وقد قال فيه القاضي عياض: «إنه الصحيح الذي عليه الجمهور»،
واختلفوا في أي وقت منها، والأكثرون على أنه مات في الليلة الرابعة عشرة من ربيع الثاني
منها. وفي رواية عن بكر بن سليم الصراف قال: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها،
فقلنا: «يا أبا عبد الله كيف تجدك؟»، قال: «ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون
غداً من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب»، قال: «ما برحنا حتى أغمضناه، وتوفي رحمه
الله يوم الأحد لعشر خلون من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومئة». وصلى عليه عبد الله
بن محمد بن إبراهيم أميرُ المدينة، وحضر جنازته ماشياً، وكان أحدَ من حمل نعشَه. وكانت
وصية الإمام مالك أن يُكفَّن في ثياب بيض، ويُصلى عليه بموضع الجنائز، فنُفِّذت وصيته،
ودُفن بالبقيع.
موطأ الإمام مالك
تاريخ التأليف: الثاني الهجري
لجأ الخليفة أبو جعفر المنصور إلى الإمام مالك في موسم الحج طالبًا منه تأليف كتاب في الفقه يجمع الشتات وينظم التأليف بمعايير علمية حدّدها له قائلا: "يا أبا عبد الله ضع الفقه ودوّن منه كتبا وتجنّب شدائد عبد الله بن عمر، ورخص عبد الله بن عباس، وشوارد عبد الله بن مسعود، واقصد إلى أواسط الأمور، وما اجتمع إليه الأئمة والصحابة، لتحمل الناس إن شاء الله على عملك، وكتبك، ونبثها في الأمصار ونعهد إليهم ألا يخالفوها". وقد طلب المنصور من الإمام مالك أن يجمع الناس على كتابه، فلم يجبه إلى ذلك، وذلك من تمام علمه واتصافه بالإنصاف، وقال: "إن الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها" من علوم الحديث للحافظ ابن كثير. كتاب الإمام مالك هو أجلّ كتب الحديث المتقدمة عليه وأعظمها نفعاً بلا شك، فيه الأحاديث الصحيحة المسندة، وإن كان الكتاب ليس بالكبير، فيه البلاغات والمنقطعات والمراسيل، ولا يستدرك على الإمام مالك في ذلك؛ لأنه يرى حجية المرسل، وهذه البلاغات وصلها ابن عبد البر في التمهيد سوى أربعة أحاديث، وقد وصلها ابن الصلاح كما هو معروف. اعتنى أهل العلم بالموطأ عناية فائقة لإمامة مؤلفه، ولعظم نفعه، ولاختصاره. وكان الإمام مالك متحريا في الرواية منتقيا للرجال أحسن الانتقاء منتقدا للرجال أشد الانتقاد، لذلك جعله أهل الحديث آنذاك مصدرًا حديثيا معتمدًا عليه في الاحتجاج بأحاديثه من حيث الجملة - مع أن فيه المرسل والبلاغ - حتى ظهر صحيح الإمام البخاري الذي تقدم على الموطأ في الصحة وذلك لأن الإمام البخاري جرد صلب الكتاب من البلاغات والمراسيل وإنما ذكرها في تراجم الأبواب على سبيل الاستشهاد بها لا أكثر، والمعول في كتابه على أحاديث الصلب لا التراجم. ومع تقدم صحيح البخاري في الصحة، لم يفقد الموطأ تلك المكانة كمصدر من مصادر السنة المشهورة ذات المكانة المرموقة.
أضف تعليقك