ولد فتح الدين ابن
سيد الناس في القاهرة سنة 671 لأسرة إشبيلية الأصل، من بيت رئاسة فيها، وولد والده
ببجاية سنة 645، وكان جده محمد أحد الحفاظ المحدّثين المشهورين، وبه خُتم هذا
الشأن بالمغرب، وتوفي سنة 659، وكذلك كان والده محدثاً حافظاً، ورحل من الأندلس
إلى الديار المصرية وبصحبته نسخه المعتمدة من أمهات الكتب الحديثية مثل مصنف ابن
أبي شيبة ومسنده، ومصنف عبد الرزاق، والمحلى لابن حزم، والتمهيد والاستيعاب
والاستذكار، وتاريخ ابن أبي خيثمة ومسند البزار، وكان عالماً باللغة والعربية وله
نظم، وولي مشيخة المدرسة الكاملية وتوفي سنة 705، عن 60 سنة، وقد آلت كتبه النفيسة
هذه إلى ابنه فتح الدين.
وسار بفتح الدين والدُه في طلب العلم وهو
رضيع، فقد أتى به في سنة مولده إلى المحدث نجيب الدين عبد اللطيف بن عبد المنعم
الحراني، المولود سنة 587 والمتوفى سنة 672، فقبله وأجلسه على فخذه وكناه أبا
الفتح،
وسمع ابن سيد الناس من أخيه عز الدين الحراني، عبد العزيز بن عبد المنعم،
مسند الديار المصرية، المولود سنة 594 والمتوفى سنة 686.
وأحضره والده وهو في الرابعة ليسمع على
قاضي القضاة شمس الدين المقدسي الحنبلي، محمد بن إبراهيم بن أبي السرور المولود
بدمشق سنة 603 والمتوفى بالقاهرة سنة 676، وسمع على شهاب الدين ابن الخيمي، محمد
بن عبد المنعم الأنصاري اليمني ثم المصري، المتوفى سنة 685 عن أكثر من 82 سنة،
وكان من أهم مروياته جامع الترمذي، وكان صاحب علم وأمانة، معروفاً بالأجوبة المسكتة
والحلم البالغ
إلا أن الأدب والشعر غلبا عليه فصار الشاعر المقدم في شعراء عصره
وسمع ابن سيد الناس كذلك على قطب الدين
القسطلاني، المولود سنة 614 والمتوفى سنة 686، شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة
إلى أن توفي، وعلى عز الدين الحراني، عبد العزيز بن عبد المنعم، مسند الديار
المصرية
ودرس ابن سيد الناس النحو على الشيخ الإمام
العلامة الحجة بهاء الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم ابن النحاس، شيخ العربية
بالديار المصرية، المولود بحلب سنة 627 والمتوفى بالقاهرة سنة 698، وأتقن أبوالفتح
ابن سيد الناس كتابة الخط العربي على القاعدة المغربية والمشرقية، وذلك دون أن
يأخذه عن أحد، قال تلميذه الصفدي: ولم أر فيمن عاصرته مَن كَتَب النُسَخ وخرّج
التخاريج والحواشي أحلى ولا أظرف ولا آنق من الشيخ فتح الدين بن سيد الناس... كان
خطه أبهج من حدائق الأزهار، وآنق من صفحات الخدود المطرز وردها بآس العذار... سريع
الكتابة، كتب ختمة في جمعة، وكان يكتب السيرة التي له في عشرين يوماً وهي مجلدان
كبيران.
ورحل أبو الفتح ابن سيد الناس إلى دمشق في
سنة 690 ليسمع من محدث كبير معمر هو فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن قدامة
المقدسي، المولود سنة 596، ويعرف بابن البخاري نظراً لأن أباه أقام ببخارى مدة في
طلب العلم، فلما دخل دمشق في ثالث ربيع الآخر ذهب إلى قاضي القضاة شهاب الدين
ليسلم عليه، وقال: قدمت للسماع من ابن البخاري. فقال: أول أمس دفناه. فتألم لموته
وفواته السماع منه، لعلو إسناده بالسماع المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم،
قال الإمام الذهبي: وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم
ثمانية رجال ثقات. ولكنه لم يفته السماع من محدث معمر آخر هو مسند الشام تقي الدين
الواسطي، إبراهيم بن علي.
والتقى الإمام
الذهبي، المتوفى سنة 748، بابن سيد الناس وقال عنه في المعجم المختص: العلامة الأديب البارع المتفنن هو أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه
المليح كثيرا، وخرَّج وصنف وعلل، وفرَّع وأصَل، وقال الشعر البديع، وكان حلو
النادرة، كيس المحاضرة، جالسته وسمعت بقراءته وأجاز لي مروياته، عليه مآخذ في دينه
وهديه، والله يصلحه وإياي... وكان أثريا في المعتقد، يحب الله ورسوله.
وأخذ ابن سيد الناس علم الحديث عن الإمام
ابن دقيق العيد القشيري القوصي، محمد بن علي، المولود سنة 625والمتوفى بالقاهرة
سنة 702، والذي عدّه الإمام الذهبي أحد أربعة من أحفظ من رأى، وقال عنه: أفقههم في
الحديث. ولازمه ابن سيد الناس فترة
طويلة، وصار معيداً في درسه، وكان ابن دقيق
العيد إذا ذكر أحداً من الصحابة والرجال في درسه قال: ما ترجمة هذا يا أبا الفتح؟
فيأخذ ابن سيد الناس في الكلام ويسرد والناس سكوت والشيخ مصغ إلى ما يقول
أما فتح الدين بن سيد الناس فيقول عن شيخه:
لم أر مثله فيمن رأيت، ولا حملت عن أجلَّ منه فيمن رويت، قرأت عليه جملة من
المحصول وكنت مستملي تصانيفه والمتصدر لإفادة طلبته بدار الحديث من جهته، وكان
للعلوم جامعا، وفي فنونها بارعا، لا يشق له غبار، ولا يجري معه سواه في مضمار...
كان حَسَن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، بلب يسحر الألباب، وفكر
يفتح له ما يستغلق على غيره من الأبواب، مستعيناً على ذلك بما رواه من العلوم، ولم
يزل حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه، ونفع نفسه على العلم وقصرها، ولو شاء العاد
أن يحصر كلماته لحصرها، وله تخلق، وبكرامات الصالحين تحقق، وعلامات العارفين تعلق.
مؤلفاته
ترك الحافظ ابن سيد
الناس للأمة مصنفات عديدة منها ما هو مطبوع متداول في عصرنا هذا ، ومنها مالا يزال
مخطوطاً في المتاحف والمكتبات الخاصة ، ومنها ما فقد وأشارت إليها كتابات المؤرخين
، وهي :
نور العيون في تلخيص سيرة المأمون
النفح الشذي في شرح جامع الترمذي
منح المدح
بشرى اللبيب بذكرى الحبيب
تحصيل الإصابة في تفضيل الصحابة
العباب في الفروع
وفاته
أجمعت المصادر على أن
الحافظ ابن سيد الناس قد توفي فجأة في الحادي عشر من شهر شعبان سنة (734 هـ) .
أضف تعليقك